سنغافورة- ناجي السعيدي | حينما حط الطيران العماني بأجنحته في مطار شانجي السنغافوري كانت الساعة تشير إلى تمام التاسعة مساء ( الخامسة مساء بتوقيت السلطنة ) ايذانا بتدشين خط الناقل الوطني العماني، إلى محطة جديدة لدول شرق آسيا ومحطتها الثامنة والأربعون .
كنت والوفد الإعلامي ضمن تدشين الخط الجديد، وكلنا لهفة لنرى هذه الدولة الصغيرة في حجمها وفي عدد سكانها والسريعة في تطورها وتكوين حضارتها فخلال خمسين سنة فقط استطاعت ان تبني لها اسما اقتصاديا وسياحيا وصناعيا تنافس الدول المتقدمة، وأن تكتب بأقلامها، حضارة لتكون تاريخا أثريا للأجيال القادمة، وللمستقبل المشرق.
فزائريها من السياح يقدرون سنويا بـ 12 مليون سائح والرقم في ازدياد أما اقتصادها فيعتبر رابع أهم مركز مالي في العالم وخامس مرفأ على مستوى العالم من ناحية النشاط ، فهذه هي “مدينة الأسد” كما تلقب .
وبعيدا عن حفل تدشين الطيران العماني وما رافقه من برامج وأنشطة أكد المسؤلون في الطيران خلال الموتمر الصحفي على أن الخط الجديد والرحلات اليومية من مسقط إلى ىسنغافورة وبالعكس يتيح فرص أكبر للتعاون والاستثمار بين السلطنة وسنغافورة كيف لا والعلاقات الثنائية المتبادلة بين الدولتين كانت وما زالت منذ عشرات السنين وقبل استقلال سنغافورة وانفصالها عن ماليزيا في ١٩٦٥م عندما أطلق على إحد شوارعها أسم شارع مسقط في عام ١٩٠٩م، وطريق الحرير لبحارة عمان البواسل ورحلاتهم التجارية التي جسدتها جوهرة مسقط في عصرنا الحاضر كشاهد على تاريخ عمان البحري وغيره من التعاون المشترك وما تمثله السلطنة الآن من سادس أكبر شريك تجاري لسنغافورة في الشرق الأوسط، كل هذا يجعل سنغافورة لها مكانة خاصة للسلطنة.
شارع مسقط
تأسر سنغافورة أي أحد يزورها منذ زيارته الأولى لما تمتلكه من مقومات سياحية مثالية ونجاحها في عدة أصعدة رغم شح مصادرها الطبيعية وقلة مواردها البشرية، وتبهرنا كعمانيين بوجه خاص بسبب احتضانها شيئاَ من بلادنا وحملها اسم العاصمة العامرة لتوثق موروثا حضاريا لتاريخ بحري مديد .
شارع مسقط يقع في منطقة “كامبونج جلام” المعروفة بامتزاج التراث السنغافوري ذات الأجناس العرقية المتنوعة، ويرجع تاريخه إلى عام 1909 م أي أكثر من مائة عام من الآن، وهذا يعكس مدى علاقة السلطنة بالبلدان في تلك المنطقة آنذاك وارتباطها الوثيق وصداقتها المتبادلة بين الجهتين، وفي نوفمبر 2012 م تم إجراء تحسينات على الشارع وإضافة العديد من اللمسات المستوحاة من التراث العماني وحضارتها الممددة لمئات السنين ولوحات تعكس نهضتها في عصرنا الحاضر .
المتجول في شارع مسقط يلاحظ القوسين بزخارفهما الفريدة اللذان يزينان مدخل الشارع من الجهتين، واللذان يرمزان للروابط التاريخية بين السلطنة وجمهورية سنغافورة وعلاقتهما المتينة، بالاضافة إلى ستة عشر لوحة فنية رسما تعبيرا للإرث الحضاري لعمان وازدهارها، وبجوار الشارع يقع مسجد السلطان الذي بني 1826 م من قبل السلطان حسين شاه في ذلك الوقت، ليصبح اليوم الشارع من أحد الشوارع السياحية التي يعج بالزائرين ومعلم يروج للسياحة إلى السلطنة .
يزخر الشارع بالأسواق التقليدية والشعبية على جنباته التي تعرض مجموعة من الأقمشة المختلفة والسجاد والمشغولات التقليدية بالاضافة إلى احتضانه على جنباته تشكيلة من المقاهي والمطاعم الشرقية التي تقدم أشهى المأكولات العربية والتركية .
جوهرة مسقط
ترسو جوهرة مسقط منذ عام 2011م في متحف ” الحياة البحرية والاكواريوم ” بجزيرة سنتوسا بسنغافورة وهي تحكي تاريخ مضى سيبقى يروي حكاياته للأحفاد وللأجيال القادمة، ترسو الآن كمعلم ثقافي وتاريخي وحضاري، ماكثة هناك لاثراء الدراسات البحثية العلمية وتخلد مجد عمان البحري ونمو التجارة بين آسيا والشرق الاوسط والعلاقات المتبادلة بينهما منذ قديم الزمان .
كثيرة هي المعروضات في متحف الحياة البحرية والأكواريوم ولكن الزائر للمتحف في منتجع ريزورتس ورلد سنتوسا يستوقفه كثيرا مشهد سفينة جوهرة مسقط وهي راسية بشموخها وكبرياء شراعها جاذبة الزائر دقة بناءها وتفاصيلها الصغيرة وكيف أنها بنيت يدوياً كما تصنع السفن قديما من دون استخدام مسمار واحد وكأنها صنعت منذ مئات السنين رغم أنها صنعت في عام 2009 لتحاكي سفينة تعود إلى القرن التاسع الميلادي تم العثور عليها بالقرب من جزيرة بليتانج الاندونيسية عام 1998 م .
جاءت السفينة جوهرة مسقط كهدية للشعب السنغافوري من السلطنة تقديرا لعلاقات التعاون بين السلطنة وسنغافورة وبسبب صاحبة المبادرة في توثيق ما تم اكتشافه من حطام السفينة واقتناء الكنوز النفيسة التي تم العثور عليها وابرازها للعلن، بالاضافة إلى مكانة سنغافورة كإحدى الدول لطريق الحرير التاريخي سابقا بين شرق آسيا وغربها وخطوط التجارة البحرية .
وجاءت جوهرة مسقط التي يبلغ طولها 18 مترا وعرضها 6.5 أمتار تحاكي السفينة الأم التي تم اكتشافها فتم صناعتها بالطريقة نفسها واستخدمت في بماءها الألواح من خشب أفزيليا أفريكانا التي استورد من جمهورية غانا وتم ربطها مع بعضها البعض بواسطة حبال مصنوعة من ألياف اشجار النارجيل من دون استعمال المسامير، أما الأشرعة فصنعت من قماش الكتان وصنعت الأشرعة الأحتياطية أو الثانوية من سعف النخيل، واستعانت جوهرة مسقط في رحلتها من مسقط الى سنغافورة التي استمرت 138 يوما وسائل الملاحة البحرية التقليدية التي كانت تستخدم في القرن التاسع الميلادي .
وتروي جوهرة مسقط وهي في متحفها في سنتوسا رحلتها البحرية وقطعها لـ 3580 ميلا بحريا ( 6630 كيلومتر ) فبدأت الرحلة 16 فبراير 2010م من ميناء السلطان قابوس، ووصلت إلى ميناء كونشين جنوب الهند 15 مارس 2010 م، وفي 19 ابريل رسلت في ميناء جال بسريلانكا ومنه تابعت إبحارها إلى ماليزيا لتصل إلى ميناء جورج تاون في 2 يونيو، وبعدها اتجهت إلى ميناء كلانج مارة بمضيق ملقة ووصلت إليه في 21 يونيو 2010 م ومن ثم غادرت الميناء يوم 27 الشهر نفسه لترسو في محطتها الأخيرة في ميناء كيبيل بسنغافورة في الثالث من شهر يوليو 2010 م .