تجوال: منى المعولية/
سوق بركاء القديم.. هنا توقف التاريخ.. وعانق الزمن ريحة الماضي وعبق الأمس.. هنا كان الأجداد والأباء في حركة ونشاط دائبين.. هنا ترسو السفن.. جاءت محملة بالبضائع من مختلف الأسواق القريبة والبعيدة..
كان السوق هنا مكتظا بالتجار العمانيين، والمتسوقين كل يقصد سوق بركاء المعروف بحركته ونشاطه التجاري كبندر هام وميناء تجاري.
هل ياترى رحل الماضي مع من رحل، أم يظل للحلم بقيه هنا في سوق بركاء القديم، الحاضر الغائب أم ان حاضره مركون على أكتاف الزمن.
تجولنا بين ردهاته ومحلاته المتبقية تصارع الحياة والبقاء، كان شعور غريب ذاك الذي يصافح خلجات الذات ونحن نشاهد مناظر رائعة من لوحة تاريخية متلاحمة، رسمها الأجداد بريشة فنان حالم، إهتم بأدق تفاصيلها وحرص على ثباتها من متغيرات الزمن، لوحة بعد أن ظلت صامدة لعقود عديدة قد تفوق أيام عمرها القرن من السنين، أمسينا نرى تلك اللوحة وقد عصف بطلائها رياح التغيير ويزيل بريقها غبار الأيام، وحال لسان الواقع يقول ما هو المصير وإلى متى سيقاوم هذا السوق الذي بات برغم الأنفه يعاني الإندثار ولا يزال مرتاديه والباعة الذين قضوا سنوات طويله من أعمارهم بين ناف ومتيقن من أن السوق سيهدم يوما ما، إستجابة لإتمام خدمات الشارع البحري، الغارق في ضياع التخطيط المتخبط.
تبضع
نتابع سيرنا بين أزقة السوق مستحضرين شجن الذكريات حين كان الأطفال يأتون للتبضع مع أبائهم إلى السوق، ولكن في غير الزمان حين قدم الأطفال اليوم يستذكرون التاريخ في زمن طفولة حالمة متجهين بفكر وعينان تكاد لا ترى شاردة أو واردة إلا وأمعنتا النظر فيها فهذا يجادل وذاك يساوم وذاك يبيع وأخر يحمل البضائع، كانت أولى خيبات اللقاء إن السوق بدا خاويا من الباعة العمانيين الذي كان ينتعش السوق بهم، فمنهم من غيبه الموت ومنهم من رد لأرذل العمر واخرون على فراشه أسير عجزه وما بقى منهم إلا عدد لا يتعدى أصابع الكف الواحدة وقد أثقلهم تعاقب الأيام وأنحلت سواعدهم تواتر السنين وكبر السن فغدو محتاجين إلى العون أضعاف من أن يديروا محلاتهم العتيقه من دون وجود عامل وافد، يكتفون بالإشراف عليه في ساعتين أو ثلاث من ساعات النهار، السوق في إندثار وأرضيته في تهشش وتخندق بدا واضحا جدا إنه يعاني الإهمال والتهميش من الجهات المعنية.
اللاحيوية
توجهنا إلى أحد المحلات التي يبيع فيها أحد الشباب العمانين وهو/ طلال الحمداني تمنينا أن يحذو الشباب حذوه في إقتناص سبل العيش وكسب الرزق والمحافظة على مهن الأباء والأجداد حتى وإن كان كعمل إضافي في فترات المساء.
أطلعنا طلال على الوضع المزري الذي آل إليه السوق وكيف أمسى يشكو اللاحيوية والركود، ويقول: إن الأمر يرجع بالمقام الأول إلى الحركة التجارية الحديثة ووجود المراكز التجارية الكبرى حيث أخذ الناس يتجهون إليها ويتسوقون بشكل يرونه أسهل من تكبد عناء الدخول إلى السوق القديم، بالإضافة إن ركود السوق أدى إلى عدم توفير ما توفره تلك المراكز من خيارات وتعدد وشمولية في السلع.
ملجأ البسطاء
وتحدث حمود البحري زميل طلال قائلا: إن السوق لا يزال ملجأ لطبقة من البسطاء والفئات الفقيرة التي قد لا تستطيع الدفع الفوري لتكاليف سلع المعيشة مما يجعل تلك الفئه تأخذ إحتياجاتها عن طريق الدين أو كما يسمى باللهجه العامية (الصبر) وهو أخذ ما يحتاجه الفرد من مواد غذائية وإستهلاكيه من دون الدفع الفوري فيعود للدفع في نهاية كل شهر حيث يدفع البعض أو النصف على حسب مقدرته، ويتم ذلك على أصول التعارف بين التاجر والمشتري وعلى كل حتى هذه الفئة باتت قليله.
فما السبيل والطرق للحفاظ على مثل هذه الأسواق من الإندثار.
إن لم يكن خدمة للحركه التجارية والتي بالتأكيد تجد البدائل والبديل، فإنه على سبيل الحفاظ على موروثات وأماكن إرتوت يوما بعرق الأجداد فأثمرت بستانا من العطاء آن حصاده وحرث بذره لبث دماء جديدة تتدفق تضخ واصلة بين شريان الماضي وحضارته .