كتب : داود بن سليمان البلوشي /
تعتبر السياحة البيئية أحد أسرع العناصر نمواً في سوق السياحة الدولي وجزءاً هاماً من المقومات السياحية المؤهلة للسلطنة لأن تصبح مركز جذب سياحي بسبب احتوائها على العديد من المواقع البيئية البكر التي لم تصلها يد الإنسان ، وتعتبر المحميات الطبيعية من أهم العناصر تأهيلاً لذلك في ضل ما تمتلكه من مقومات طبيعية فريدة أهلتها أن تكون قبلة للسائحين ومراكز بيئية للبحث العلمي ومستكشفي الطبيعية والحياة.
تتميز السلطنة بوجود عدد من المواقع البيئية الرائعة التي تم الإعلان عنها كمحميات طبيعية حيث بذلت الحكومة جهودا متميزة لتطويرها وتهيئة الأجواء المناسبة لنمو وتكاثر الأحياء الفطرية فيها ومن أبرزها محمية السلاحف برأس الحد ومحمية جزر الديمانيات ومحمية كائنات الحياة الفطرية بجدة الحراسيس ومحمية حديقة السليل الطبيعية ومحمية جبل سمحان ومحميات الأخوار بمحافظة ظفار ومحمية المناظر الطبيعية بالجبل الاخضر ومحمية الاراضي الرطبة بمحافظة الوسطى ومحمية جبل قهوان في محافظة شمال الشرقية ومحمية السرين الطبيعية ومحمية رأس الشجر. وتشكل المحميات الطبيعية حجر الزاوية في السياحة البيئية في السلطنة بما تحويه من ثروات طبيعية فريدة وتنوع بيئي جذاب وعناية فائقة بالحياة البرية والبحرية .
تطوير السياحة البيئية
تهدف السلطنة من خلال تطوير السياحة البيئية في المحميات الطبيعية إلى إدارة الموارد الطبيعية والثقافية بحيث تتفق الأنشطة المراد تنفيذها في المحمية مع سلوك أصحاب المنفعة وهم السكان المحليين وزوار المحمية من سياح ودارسين ، وكذلك تنمية السياحة البيئية في المحميات بحيث تعزز مشاركة أصحاب المنفعة في عملية التنمية وتطبيق السياسات الدولية والإقليمية والوطنية المعتمدة للممارسات القابلة للاستدامة وبالأخص في مجال صون وحماية التنوع الأحيائي في المحميات الطبيعية بشكل عام . كما أن مشاريع تطوير السـياحة البيئية في السلطنة تركز على تشجيع النشاط السياحي الواعي للتمتع بالمناطق الطبيعية والتراث الثقافي المرتبط بها والتأكيد على أهمية المحافظة على مفردات البيئة والتنوع الحيوي ، وضرورة دعم السكان المحليين ، لذا فانه من الضروري أن تتكامل أنشطة السياحة البيئية بالمحميات الطبيعية مع قطاعات الاستثمار السياحي المختلفة من حيث التنظيم والتخطيط والترويج السياحي والمسابقات بما يوفر عناصر الاستدامة داخل المحميات وخارجها .
القوانين والتشريعات الفطرية
وفي جانب تنمية السياحة البيئة داخل المحميات الطبيعة فان السلطنة ممثلة في وزارة البيئة والشؤون المناخية ومكتب حفظ البيئة التابع لديوان البلاط السلطاني تواصل باستمرار جهودها الدؤوبه في الحفاظ على الحياة الفطرية وصون مواردها الطبيعية وتشجيع السياحة البيئية فيها وذلك من خلال سن العديد من القوانين والتشريعات البيئية منها إصدار اللائحة التنفيذية لقانون المحميات الطبيعة وصون الأحياء الفطرية ، وتنفيذ العديد من الأنشطة والبرامج الميدانية لحماية الحياة الفطرية في مقدمتها وضع خطط إدارة المحميات موضع التنفيذ حيث تم تصميم مشروع متكامل لمحمية حديقة السليل الطبيعية ، وكذلك تسوير بعض محميات الاخوار وحماية العديد من النباتات المتفردة عن طريق تسويرها وإكثار البعض منها وإعادة استزراع المناطق المتضررة ، والتخلص من الأشجار الغريبة والدخيلة على البيئة المحلية كأشجار الغاف البحري ، كما تم التركيز على المسح الميداني لأماكن تواجد الأحياء الفطرية وترقيم الغزلان المرباة تحت الأسر لمتابعتها المستمرة ، كما كان للدوريات المشتركة لحماية الحياة الفطرية دورها الفاعل في بث روح العمل لدى العاملين بوحدات حماية الحياة الفطرية مما كان له الدور الإيجابي في الحد من الضغوطات التي يتعرض لها التنوع الأحيائي بالسلطنة ، إلى جانب توعية المواطنين بأهمية حماية التنوع الأحيائي الفريد والنادر بالسلطنة .
إدارة الأنشطة السياحية
يعتبر إدارة الأنشطة السياحية في المناطق المحمية أمر ضروري بسبب حساسية الأنظمة البيئية بالمحميات حيث من الممكن أن تتسبب أنشطة السياحة البيئية بتـأثيـرات سلبية على الأحيـاء الفطرية والســـكان المحليين . كما أن الأعـداد المتزايـدة للـزوار من الممكـن أن تضــر بالتنـوع النبــاتي وبيئــات وموائـل الحيـاة الفطرية سواء كان في المحميات الطبيعية أو خارجها من حيث استحداث المسارات الجديدة والقيادة العشـوائية وتنـاثـر القمـامـة وتـلوث المياه واسـتنزافها فضلاً عن إزعاج الحياة البرية وتدمير المواقع الأثرية والإضرار بالمناظر الجمالية .
وهناك نوعان من التأثيرات السياحية على المحميات الطبيعة وهي التأثيرات المباشرة والتي تتمثل في إزعاج الحيوانات سواء بالتصوير أو رؤيتها مما تضطر بعض الحيوانات لعمل ردة فعل مباشر لذلك أما بالهروب بعيدا عن صغارها أو ترك تغذيتها ، كما أن الاقتراب الزائد من الحيوانات خاصة بالسيارات أو مطاردتها يؤدي إلى تمزيق العلاقة بين الأم والصغار وهذا يبدو جلياً مع الحيوانات الثديية مثل المها والغزلان والوعول بحيث يمكن أن يترتب على هذا الأمر أن تبتعد الأم عن صغارها مما يعرض الأخير للضياع والهلاك ، إضافة إلى انه من الممكن أن يعمل الزوار على نقل بعض الأمراض للحيوانات والعكس صحيح ، وأن تقوم سيارات الزوار بدهس بعض الحيوانات مثل الغزلان والثعالب والأرانب خاصة إذا كانت حركة الزوار أثناء الليل . أما التأثيرات غير المباشرة للسياحة في المحميات فتتمثل في تغيير بيئة الحيوانات جراء كثرة الوطء بالأقدام على النباتات وكذلك بسبب رمي المهملات ، والمحاولة للاستفادة من هذه الحيوانات في التجارة سواء بالاستفادة من جلودها أو ببيعها ، إلى جانب الامتداد والزحف العمراني المتمثل في إنشاء الطرق الداخلية وبناء الاستراحات والفنادق وبناء الوحدات السكنية ومرافقها .
آليات ضبط أنشطة الزوار
وضعت الجهات الحكومية المسئولة عن البيئة في السلطنة مجموعة من الآليات لضبط أنشطة الزوار داخل المحميات الطبيعية في السلطنة أهمها تحديد أعداد الزوار أثناء فترة الزيارة للمحمية ، وتوزيع الزوار على مجموعات صغيرة لتجنب الزحام وتدمير الغطاء النباتي في المحمية ، وتقسيم المحمية إلى ثلاثة نطاقات أو مناطق داخلية ، وكذلك عدم السماح للزوار بدخول مناطق معينة في المحمية وبالأخص المنطقة المركزية ، وإنشاء نقاط معينة ثابتة وحصر الزوار في هذه النقاط . كما تقوم أيضا بجهود حثيثة في توعية وتثقيف زوار المحميات من حيث إنشاء مراكز لاستقبال الزوار ، وتوفير مرشدين متخصصين لإرشاد الزوار داخل المحمية وشرح لهم أهم الموارد الطبيعية والفيزيائية التي تضمها المحمية ، وكذلك عمل لافتات إرشادية كبيرة داخل المحمية لإرشاد الزوار وإعطائهم نبذه عن المحمية وأهم الإرشادات التي يجب عليهم إتباعها داخل المحمية ، إلى جانب حملات التوعية المستمرة التي تقوم بها من خلال وسائل الإعلام المقروءة منها أو المسموعة أو المرئية أو من خلال الاتصال المباشر المتمثل في المحاضرات التوعوية وحلقات العمل ، لذلك يجب أن تتضافر الجهود المبذولة في عمليات الصون مع السياحة ، وان يكون أثر السياحة إيجابيا على المجتمعات المحلية ، وان يخرج السائح بفهم وتقدير أكبر للطبيعة وعملية الصون والبيئة بشكل عام .