بقلم: حمدان بن علي البادي | في إحدى الأيام، كنت في إسطنبول، اقتفي خطى المعلم المعماري سنان وتلاميذه، وهو يضع تصاميه على قصور ومساجد الدولة العثمانية، وأبحر في التفاصيل الدقيقة التي وضعتها الكاتبة التركية أليف شافك، وهي تسرد حكاية الصبي الهندي وفيله الأبيض، في رواية الفتى المتيم والمعلم.
وقد حدث معي ذلك أيضا في قصص مشابهه لروايات قرأتها وحفزتني لزيارة الأمكنة، وبعضها أتاحت لي زيارة مدن وعوالم وانا في مكاني، وأعرف أن هذا يحدث أيضا مع أصدقاء كثر من محبي وعشاق الأدب الروائي، وذلك لما للرواية من سحر يأخذ القارىء ليسافر بروحه ووجدانه مع شخصيات الراوي، وهو يبدع في سرد التفاصيل الصغيرة من عوالمه المتخيلة ليأخذ القارئ إلى مناطق وأزمنة وعوالم مختلفة تدفع بالكثير من القراء -وهم يدركون إنها في عقل الرواي فقط- لتتبع خطى تلك الشخصيات والعيش في تفاصيل أبطالها، لتمنحهم تجربة سفر استثنائية وغنية بالتفاصيل التي لا يمكن أن يدلنا عليها أفضل المرشدين السياحيين.
وللأعمال الرواية قوتها وقدرتها البلاغية على ترسيخ الصورة الذهنية لشخصيات العمل في ذهن القارىء، ولعل أقرب مثال على ذلك حين أحترقت كاتدرائية نوتردام مؤخرا – واحدة من أهم وأشهر المعالم السياحية في باريس- كان الأحدب حاضرا في تفاصيل المشهد وقلوب العالم معه كما روى تفاصيلها فيكتور هوجو في رائعته أحدب نوتردام.
واليوم نحن مع “سيدات القمر” أو “أجرام سماوية” عمل روائي عماني توج بجائزة “مان بوكر العالمية” لعام 2019 للدكتورة جوخة الحارثية، وهو فوز لعمان وسيرة عن المكان والإنسان العماني، وهو انتصار للرواية العمانية وتفوقها في الوصول إلى هذه المرحلة مما يعطي فرصة للآخرين للإطلاع على الأدب العماني الذي يزخر بالعديد من الأعمال الأدبية التي يجب أن تحظى بفرصة الوصول إلى الآخر خارج حدود البيئة.
لذا يحق لنا أن نفخر بجوخة وسيداتها وهن يسردن تفاصيل حياتهن ليضعنها على منصة التتويج في جائزة “مان بوكر العالمية” وما يمكن أن تسهمه هذه الرواية بلغتيها الإنجليزية والعربية من تعزيز الحضور العماني لدى شريحة واسعة من القراء من مختلف دول العالم وهم يبحرون في تفاصيل المكان وحياة الإنسان خاصة مع ختم عبارة “الرواية الفائزة بجائزة مان بوكر العالمية 2019” التي دمغت على الغلاف كجواز عبور إلى القراء لاقتناء الرواية وهذا ما أكدته بعض دور النشر من تصنيف الرواية ضمن قائمة الكتب الأكثر مبيعا، فهي بحق عمل روائي سيحفز القراء للبحث أكثر عن عُمان وتفاصيل المكان، وما قد يحدثه ذلك من ثأثير يحفزهم لزيارة عُمان واقتفاء خطى سيدات القمر.
ونحن على يقين أن القراء لديهم الوعي الكامل لانتفاء ما يرضي ذائقتهم والتفاعل مع تفاصيل ما يقرأون وإعادة تحليله وفق منظورهم الخاص من دون أن نعمم ما ورد في هذا المقال.