مسارات | روح المكان

بقلم: خصيب القريني | كانت لفتة طيبة تلك التي نفذها أحد فرق ولاية صحار باستغلال سوق صحار التاريخي في تنفيذ فعاليات ثقافية واجتماعية في شهر رمضان المنصرم، في محاولة من خلاله لإبراز أهمية السوق وجماليات تصميمه ودعم وتشجيع الناس على زيارته والتسوق من محلاته.

وهي في اعتقادي الشخصي فكرة جميلة تحتاج أن نشجعها وندعمها من أجل أن نستغل مختلف مرافقنا السياحية استغلالا جميلا ورائعا يتوافق مع التوجهات العالمية في مجال السياحة، فبهذا الأسلوب نبعث رسالة مفادها أن هذه المواقع التجارية ليست فقط للتزود بالبضائع وانما تؤدي أيضا دور ثقافي وحضاري لايقل أهمية عن دورها التجاري، وكلما كانت الأفكار حاضرة كلما كانت النتائج أكثر تميزا وأصبح المكان أكثر حيوية وأكثر تفاعلا.

إن الزائر إلى مختلف المواقع السياحية العالمية ليجد أن التوجه الحديث يتمثل في الربط مابين السياحة والثقافة والتراث في آن واحد، فلا يمكن الترويج لموقع سياحي من دون ربطه بفعاليات ثقافية أو اجتماعية أو تاريخية، فهنا يصبح المكان مجرد جماد من دون روح، وبالتالي يصبح التفاعل معه شبه معدوم، وهذا مانلاحظه بوضوح على مختلف مواقعنا السياحية العمانية كالقلاع والحصون التي يغلب عليها عدم تفعيل مكوناتها وعدم وجود فعاليات سياحية وثقافية ضمن أروقتها، فاستغرب مثلا إقامة أمسية شعرية وطنية مثلا في ولاية ما في إحدى القاعات الحديثة، مع أن الأولى إقامتها في قلعة الولاية أو حصنها وذلك بعد تطويع المكان وتزويده بالأدوات الحضارية الحديثة التي تجمع مابين الأصالة والمعاصرة من دون إخلال بمفردات الماضي، وقس الأمر على مختلف المناشط سواءً الوطنية أو الاجتماعية أو الثقافيّة، فأصبح همنا فقط هو ترميم تلك القلاع والحصون ثم نتركها كما كانت من دون أي حراك من أي نوع، وكأننا نقول إنها جزء من الماضي، ويجب أن تظل كذلك من دون أن تدخل حيز الحاضر الذي نعيشه، وفي هذا اجحاف ليس بعده اجحاف بحق موروثاتنا المادية، فيجب أن نعطي للمكان روحه التي يستحقها.

ولايقف الأمر عند استغلال القلاع والحصون فقط، فكل مانملكه من إرث حضاري يجب أن يُستغل وفق الظروف والامكانيات المناسبة له، حتى مواقع الشواء التي يعتبرها البعض ليست ذات قيمة، هي في الواقع إرث حضاري وتاريخي، فكثير من القرى والتجمعات لها موقع شواء موحد، تمارس من خلاله وضع المشوي أو الشواء العديد من الفعاليات، وهو ملتقى اجتماعي يعبر عن خصال حميدة في الشخصية العمانية ليس أقلها التعاون والتلاحم الإنساني، وهذه دعوة لتسجيله ضمن قائمة التراث العالمي والاهتمام به واعطاءه أهمية حضارية تناسب دوره الاجتماعي والثقافي.

إن قدرتنا على توظيف أي موقع سياحي واعطاءه أهميته في الحاضر وربطه بالماضي لهو التوجه العالمي الحديث في مجال السياحة، توجه يجب أن نعي أدواته ونعي أهدافه وأن نكون السباقين في توظيفه لانه سيخدم أهدافنا السياحية ويعمل على جذب المزيد من الأفواج السياحية سواء بعمل مهرجانات سنوية تنطلق من عاداتنا وتقاليدنا الموروثة واستغلالنا لمكونات تلك الموروثات المادية الاستغلال الأمثل.

info@wejhatt.com

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*