جولة: يوسف بن احمد البلوشي
كانت الساعة تقترب من الخامسة والنصف مساء.. اليوم هو الثامن من ذي الجحة.. الطرق هنا مزدحمة.. لاقتراب عيد الاضحى المبارك.. بينما البحر يلامس تلك الحواجز الاسمنتية، الواقية من دخول موج البحر الى اليابسة..
هناك في الميناء، يرسو اليخت السلطاني “آل سعيد” وبجواره سفيتان خشبيتان، تعطيان المنظر هيبة.. وتعلو احد الجبال، قلعة شامخة، تطل على زرقة مياه البحر.. بينما تتزاحم المركبات بحثا عن موقف لساعات من أجل شراء حاجيات العيد السعيد.. مبان قديمة، بيضاء، كبياض الروح العمانية، التي ترحب بالضيوف.
بعد او اوقفت “سيارتي”، بالقرب من متحف بيت البرندة، خطوت خطوات، نحو السوق، حاملا عدستي لالتقاط بضعة صور للمكان الذي تنبعث منه روح العراقة والأصالة العمانية.
رويدا رويدا، اقترب من السوق، ولكن عند مروري نحو السوق، شاهدت عدد من السياح الذين جاؤوا لمشاهدة مزار سياحي، يكون اول ما يزورونه، عند الوصول الى السلطنة. نعم هو سوق مطرح.
امشي خطوات، واقف التقط صورا للمباني، وكأني اشاهدها لاول مرة بهذا الجمال وتلك الإطلالة، وكأنها تقف في تحد أمام البحر بلونه الازرق.
روح الماضي
فكرت كيف استطاع الاولون من سكان مطرح، ان يقوم بهكذا عمل، وتخيلت الصورة القديمة، لمطرح، التي كانت مجرد بيوت عتيقة، وشاطئ رملي، وسفن تأتي لتطرح البضائع ثم تغادر بعد ان تفرغ حمولتها، وتحمل معها الليمون اليابس والتمر العماني والملابس التي كان السوق يزدهر بها ولايزال.
هناك، جلس عدد من السياح على طاولات مطعم الشيف، حسب الاسم الموضح في اللوحة الامامية. ويقف النادلون الآسيويون لاخذ طلبات السياح، من العصائر الطازجة والاكلات المدونة في قائمة الطلبات.
التقطت عدة صور، ويممت المسير نحو السوق، بدأت الاضاءات تضيء مع اقتراب غروب الشمس، اخذت الشارع الاخر المحاذي لشارع الشاطئ او ما يتعارف عليه الكورنيش. اعجبني البحر بهيبته ووقف اليخت السلطاني على تلك المياه، وكأنه ينتظر كما ينتظر العمانيون جميعا ربان عمان وقائدها المفدى، من رحلته في المانيا. سرحت بفكري، وتخيلت لحظات اعلان وصول القائد المفدى لارض الوطن، وكيف تلك الجموع الشعبية ستتوافد لاستقباله، وقبل نزولي من السيارة، اعلن بيان من الديوان السلطاني، يؤكد فيه ان جلالة السلطان في صحة جيدة ويتابع خلال الفترة القادمة البرنامج الطبي المحدد والذي بفضل الله يحقق النتائج المرجوة المطمئنة.
ويؤكد البيان، الذي ارتعش له قلب وفكر كل عماني، على شبكات التواصل الاجتماعي، لانتظار لحظات اعلان العودة الميمونة، هكذا هم الابناء الاوفياء، ينتظرون ابيهم بعد غياب عنهم، حبا واشتياقا، يؤكد ان جلالة السلطان يوجه احر التهاني والتبريكات لابناء شعبه الاوفياء، في مختلف أرجاء السلطنة بمناسبة عيد الاضحى المبارك، وهي المناسبة العزيزة على قلوب المسلمين، سائلا الله ان يعيدها على عمان وشعبها بالخير والبركة ازمنة عديدة وأعواما مديدة.
بلاشك، هو بيان اطمئنان للشعب الذي ينتظر ان يكون عيده عيدان، لكن الدعوات تلهج بها الالسن بان يعوده لعمان وهو يرفل بثوب الصحة والعافية.
مبان بيضاء
وواصلت المسير نحو السوق، واعجبني منظر المباني البيضاء والمسجد الشامخ بين تلك الابنية المجاورة للسوق، التقطت صورا عدة للمكان، واعجبي ايضا منظر تلك اللوحة الجميلة لمدخل السوق، التي كتب عليها “سوق مطرح” باللغتين العربية والانجليزية.
بينما جلس سياح وفدوا للسلطنة، ولسوق مطرح، جلسوا على قارعة احد المطاعم هناك، اخذت لهم الصور التي فرحت بوجودهم، كون السياحة ثراء وتعارف وتواصل حضاري بين الشعوب. هؤلاء جاؤوا الى عمان للتعرف عليها، قد يكون يأتون لاول مرة.
ودخلت السوق، بينما اذان المغرب يرفع، في احد المساجد عند مدخل السوق. فيما كانت تعطر المكان رائحة اللبان الظفاري، الذي يفوح لينعش السوق والزوار.
جلست عدد من النساء، على كراسي عند بداية المدخل، قد تكون استراحة محارب، بعد رحلة طويلة في اروقة السوق، خاصة وان الطقس لايزال به بعض الحرارة المرتفعة، خاصة مع حرارة المكيفات التي تزيد المكان ارتفاعا في درجة الحرارة.
شاهدت هناك، عدد من السياح يقفون عند احد المحلات التجارية في السوق، كان احدهم، يمسك بعصا وكأنه يريد ان يشتريها، وبعد ان مسك عدد منها، ارجعها مرة اخرى للبائع. فيما هناك سائح اخر يحمل طفله على ظهرة ويدور به في السوق. مستمتعا بما يشاهده في المكان من روح وعبق الماضي التليد الذي سطر فيه العمانيون أورع الامثلة في التفاني في العمل، والتجارة والتواصل مع العالم عبر هذا السوق.
تراث خالد
دخلت احد المحلات، التي تعرض عدد من الخناجر والسيوف والمشغولات الفضية، هناك امرأة تشاهد فضيات وحلي للنساء، بينما رجل اخر، مسك خنجرا، وكأنه اعجب بها وقلبها بين يديه، ثم اعادها لمكانها ثانية.
وبعد متابعة لداخل اروقة السوق، شاهدت عددا من السياح والعمانيين، كل مشغول بالمكان الذي هو فيه، هنا.. حيث سوق مطرح التراثي الذي لا يزال شامخا، رغم تزاحم الممرات داخل السوق، الذي لا يزال يحافظ على مكانته.
الرحلة السياحية في سوق مطرح، تشكل متعة حقيقية، سواء للشراء او تأمل المكان بعبق الماضي وروح الحاضر المشرق، فبلدية مسقط، استطاعت ان تعيد الحياة للسوق عد تجديده منذ سنوات عدة. المكان يعج بالمحلات الصغيرة، التي تبيع بضائع عمانية تراثية واخرى من دول اسيوية، فشاهدت نساء يشاهدن الساري، واللحاف الكشميري، وهو يجد سوقا رائجة له. بينما تجد مشغولات ذهبية يكون على محلاتها ازدحاما خاصة من العمانيين نظرا لاقتراب العيد، وهو امر مهم للنساء لشراء الذهب للتزين به في ايام العيد. امام الرجال، فتراهم يدخول محلات بيع الكمة العمانية، التي تباع بكثرة في سوق مطرح، فكل شاب جاء ليختار ما يناسبه من الالوان من الكمة العمانية التي يتراوح سعرها بين 20 ريالا و45 ريالا.
لذا فإن سوق مطرح، مزار سياحي، يحج اليه العمانيون والسياح، كل يوم، للاستمتاع بما يزخر به من مقومات تراثية ورح الماضي.