تكتبه: نبيلة دشيشة|
*كاتبة عمانية
يستغربُ أبناء ريا العامرية هذه العلاقة التي تعمقت عبر عدة فصول شتوية بين والدتهم المرأة العمانية ربة البيت، والسائحة البريطانية إستفانا، فالمرأتين لا تتحدثان لغة مشتركة، ومع ذلك تطرق “إستفانا” في بداية كل عام جديد باب منزل ريا طالبة رؤيتها من أحفادها أو أولادها الذين تصفهم أنهم في ذهول جميل من تكرار الزيارة وإنسجامهما بلغة الإشارة المخترعة بغرض الحديث والإطمئنان على أحوال بعضهما بعد غياب عام.
ففي فصل الشتاء تنجذب “إستفانا” إلى مسقط ومناطق وولايات شمال عُمان ، لذا تشد الرحال إلى العاصمة المتميزة بهيبة جبالها وإتزان هويتها العمانية في معالمها المعاصرة، ويتضمن برنامجها السياحي زيارة ريا التي قابلتها قبل بضع سنين صدفةً أمام باب مزرعتها بولاية بركاء، وأغدقت الجدة ريا عليها بالضيافة العربية الأصيلة والتجول في مزرعتها وقضاء بعض الأمسيات الجميلة مع عائلتها الذين كانت وظيفتهم الرئيسة الترجمة وتقريب وجهات النظر بين المرأتين واللتين صارتا صديقتين. والصداقة أصبحت متأصلة مع كل زيارة ومازال الأبناء المترجمين في إستغراب تام.
ولكن من غير المستغرب هو إجماع الزوار والسياح على أن سلطنة عُمان هي دولة الود، وقد لايدرك أبناء ريا عظم عطاء الود الذي شعرت به “إستفانا” من والدتهم ومنهم أيضا وكم هي بحاجة إليه كسائحة تبحث عن الوقت الممتع والمنظر الجميل وقليل من الود في الشارع ولكنه الأخير فاق توقعاتها والنتيجة تكرر الزيارات وتعمق العلاقات وإن إنعدمت الكلمات.
ولا أبالغ عندما أقول مازلت كمواطنة عمانية أتفاجأ بسرعة إنصهار العمانيين مع الغريب في عدة ولايات مثل ولاية نزوى ومحافظة مسندم وولاية مصيرة التي أقصدها مع سياح يصرون دائما على زيارة هذه الولايات مرة تلو الأخرى فهم وجدوا فيها جمال التراث والطبيعة وود الإنسان العماني.
ومن المقولات التي وجدت فيها وصف واقعي لنا قول الرحالة جون أوفنجتن في زيارته لسلطنة عُمان عام 1693 وهو يصف العمانيين “إن هؤلاء العرب على قدر كبير من دماثة الخلق يُظهِرون لطفا وكرما كبيرين للغرباء فلا يحتقرونهم ولا يُلحِقون بهم أذى جسديّا وهم على تشبثهم الثابت بمبادئهم والتزامهم الراسخ بدينهم لا يفرضون تلك المبادئ وذلك الدين على الآخرين، كما أنهم لا يغالون بالتمسك بها مغالة تجردهم من إنسانيتهم أو من حسن معشرهم فالمرء يقطع في بلادهم مئات الأميال دون أن يتعرض للغة نابية أو لأي سلوك فج”.
وبالوقت الراهن تنقص السلطنة الكثير من عوامل نجاح السياحة ولكننا بالمقابل نرى مؤخرا جهودا وتسهيلات من الجهات المعنية وأفكارا نيرة مبدعة من القطاع الخاص يترقب الجميع مواكبتها مع الكنز العماني المتمثل في ( الإنسان العماني) الذي يستقطب الآخر المختلف أيا كان اختلافه ويجعله سعيدا بزيارة عُمان مستمتعا بلغة الود فيها.