قراءة في أرقام ومؤشرات قطاع السياحة في سلطنة عُمان

يكتبه: د. حمد المحرزي – كلية عمان للسياحة|

ويوسف الريامي – الكلية الحديثة للتجارة والعلوم|

أظهر قطاع السياحة العالمي بشكل عام والعماني بشكل أخص مرونة وقدرة على التعافي بشكل ملحوظ خلال الثلاثين شهرا المنصرمة، بالرغم من التحديات والاضطرابات الجيوسياسية في منطقتنا، وتبعات جائحة كورونا -19، عزز هذا القطاع دوره في الاقتصاد العالمي خلال 2023 ليستعيد عافيته بمساهمة في الناتج المحلي العالمي المباشر ليبلغ 1.4 بليون دولار أمريكي (قبل الجائحة 1.5 بليون دولار أمريكي) حسب أرقام منظمة الأمم المتحدة للسياحة، والتي أشارت أيضا إلى وصول عدد الزوار الدوليين لما يفوق 90٪ من أصل 1.5 مليار مسافر في عام 2019، هذه الأرقام تشير إلى سرعة تعافي قطاع السياحة على المسرح العالمي، وأيضاً إلى أهمية تحليل الأرقام وقراءة دلالتها للمساهمة في تعزيز رسم الخطط والمستهدفات لتطوير قطاع ذات طبيعة متجددة ومتغيرة وسريعة التأثر بمختلف العوامل الاقتصادية والاجتماعية والجيوسياسية. 

 بدأت مؤشرات السياحة الوافدة في سلطنة عُمان في تصاعد مستمر منذ عام 2004، حيث شهد عدد زوار سلطنة عُمان ارتفاعا من مليونين وستمائة ألف زائر في عام 2015 ليصل الى ثلاثة ملايين وخمسمائة ألف زائر في عام 2019، لتعود تلك المؤشرات الى الصعود في عام 2023م في خلال مرحلة التعافي، حيث بلغ عدد الزوار الوافدين أربعة ملايين زائر لأول مرة في تاريخ سلطنة عُمان، حيث إنه من المتوقع أن ترتفع هذه الأرقام بشكل أكبر خلال السنوات القادمة. 

تشمل هذه الأرقام كافة أنواع الزوار، حيث إن أغلبية الزوار الدوليين من المقيمين لليلة واحدة على الأقل ولم تتجاوز نسبة زوار اليوم الواحد 30٪ من إجمالي مجموع عدد الزوار، وهذا مؤشر جيد ضمن قراءة هذه المؤشرات.

وقد شهد متوسط إقامة ليالي الزوار ارتفاعاً من 7 ليالي في عام 2015 الى 9 ليالي بحلول عام 2023، أما فيما يتعلق بالغرض أو الدافع من الزيارة بلغت نسبة الزوار لغرض الترفيه حوالي 43.5٪ في حين كان ما نسبته 35.7٪ بهدف زيارة الأهل والأصدقاء، هذه الأرقام لا تختلف بشكل جذري عن دوافع الزيارة في الأرقام العالمية، على سبيل المثال، يشير المكتب الوطني البريطاني للإحصاء بأن 53٪ من زوار لندن لديهم دافع قضاء الاجازة، بينما كانت النسبة الأكثر في المدن الأخرى بدافع زيارة الأهل والأصدقاء في عام 2023. 

 ومن حيث الأسواق السياحية القادمة لسلطنة عُمان، جاءت الأسواق الخليجية في قمة الهرم، حيث بلغ عدد الزوار الخليجيين في عام 2023 مليون وستمائة زائر، تبعها الزوار القادمون من الهند بواقع ستمائة وعشرة آلاف زائر، ومن ثم السوق الألماني بواقع مئتين وواحد وثلاثين ألف زائر لنفس العام. 

الجدير بالذكر هنا إلى نمو مؤشر الزوار القادمين من الصين كأحد أهم الأسواق الخمسة الرئيسية المصدرة للسياحة للسلطنة في عام 2023، حيث بلغ عدد الزوار الصينيين مئة وثمانية عشر ألف زائر في عام 2023. وباستثناء السوق الهندي (ورغم أهمية هذا السوق)، فإن السوقين الأوروبي والخليجي يُعتبران ضمن أعلى الأسواق الأكثر صرفاً حسب أرقام المركز الوطني للإحصاء والمعلومات، وبحسب الترتيب المذكور. 

هذه المؤشرات لا تقلل من أهمية السوق الخليجي، لكون أنه من الطبيعي أن تكون الأسواق الأقرب جغرافياً أقل صرفاً لأسباب مختلفة، وكمقارنة بسيطة، إذا نظرنا لمعدل صرف السوق الخليجي مقارنة بالأسواق الأوربية في الوجهات الأوربية، فإن السائح الخليجي أعلى صرفاً مقارنة بالسائح الأوروبي في الوجهات الأوربية، وهذه قراءة عامة يمكن أن تغيرها عوامل أخرى مثل شرائح الزوار والمواسم السياحية (موسم خريف ظفار على سبيل المثال سوف يعطي قراءة مختلفة).

 رسم بياني 1. التطور في عدد الزوار والمساهمة في الناتج المحلي لقطاع السياحة العماني.

 فيما يتعلق بمساهمة قطاع السياحة في الناتج المحلي الإجمالي لسلطنة عمان، فإن إجمالي إنتاج القطاع بلغ ملياري ريال عماني في عام 2023، كأعلى معدل إنتاج خلال الأعوام الأخيرة. كما أن المؤشرات الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات تشير إلى ارتفاع مستمر في القيمة المضافة لقطاع السياحة، حيث ارتفعت القيمة المضافة للقطاع من إجمالي الناتج المحلي من (818034) ثمانمائة وثمانية عشر مليون وأربعة وثلاثون الف ريال عماني في عام 2015، ليصل ما يقارب مليار وواحد وثلاثون مليون ريال عماني في عام 2023 ، بواقع نسبة مساهمة تبلغ حوالي 2.5٪، ليحتل السكن والنقل أعلى بنود الصرف لدى الزائر الدولي لسلطنة عمان. 

إلا أنه يمكن الإشارة الى أن نسبة المساهمة تتأثر بشكل مباشر بنمو الأنشطة الاقتصادية الأخرى وخاصة الأنشطة النفطية، ومن المُهم في هذا السياق أن يتم النظر إلى مساهمة قطاع السياحة بالمقارنة مع القطاعات الأخرى غير النفطية، وقد اشارت البيانات المبدئية الصادرة عن المركز بان مساهمة القطاع من مجموع القطاعات غير النفطية بلغت ما نسبته 3.7 % بنهاية عام 2023م، مما يعزز أهمية الاستثمار الاستراتيجي في هذا القطاع لما له من مردود مباشر وغير مباشر على الاقتصاد العماني بشكل عام، ورفع مستوى المعيشة وتحفيز القطاعات الأخرى على حد سواء.

 إذا ما نظرنا إلى السياحة المحلية، تظهر الإحصاءات تزايد في عدد الزوار المحليين بنهاية عام 2023م ليصل إلى 13 مليون زائر مقارنة 9 ملايين زائر خلال عام 2018م، ومن حيث الانفاق فقد شهد اجمالي الانفاق للسياحة المحلية ارتفاعا خلال عام 2023 م حيث بلغ اجمالي الانفاق ما يقارب 829 مليون ريال عماني، وبنسبة إجمالية بلغة 41% من مساهمة انتاج القطاع السياحي للسلطنة، مقارنة 698 مليون ريال عماني خلال عام 2018م أي بنسبة ارتفاع 18.7 %. في حين بلغ متوسط إنفاق الزائر المحلي حوالي 64 ريال عماني خلال عام 2023م.

 وبشكل عام، فإن ارتفاع مساهمة السياحة المحلية في قطاع السياحة مؤشر صحي، لكن نسبة مساهمة السياحة المحلية إلى نسبة مساهمة القطاع بشكل عام تحتاج إلى دراسة من أجل العمل الجاد لرفعها في المرحلة القادمة، خاصة مع ارتفاع شريحة العوائل والشباب في المجتمع العماني، خاصة إذا ما نظرنا إلى الفجوة في الميزان السياحي الذي سوف نتطرق إليه لاحقاً؛ ومن المهم هنا معرفة التغير في نسبة صرف العائلة أو الفرد العماني على السفر بشكل عام والأنشطة الترفيهية بشكل خاص، ولا شك فان معرفة هذه الأرقام سوف تساهم في توجيه وتعريف نوعية الاستثمار في هذا القطاع. 

 إن النمو الذي شهده هذا القطاع خلال السنوات الماضية، كان نتيجة لجهود مختلف الجهات سواءً من قبل مؤسسات القطاع العام او الشركاء بالقطاع الخاص، وهذا ما يعكسه الزيادة في أعداد الزوار الدوليين والمحليين، والزيادة في المنشآت السياحية كما هو الحال زيادة عدد الغرف الإيوائية، والمنشآت الفندقية بشكل إجمالي، فقد تضاعف عدد المنشآت الإيوائية ليبلغ عدد الفنادق في سلطنة عُمان 812 فندقا بنهاية عام 2023، مقارنة بـ 318 فندقا عام 2015. في حين بلغ عدد الغرف الفندقية 32821 ألف غرفة فندقية، مقارنة 16691 ألفا في عام 2015. ومن حيث تصنيف الفنادق بلغت نسبة الفنادق المُصنفة بثلاث نجمات وأعلى ما نسبته 15% على مستوى سلطنة عُمان وبنسبة 58% في محافظة مسقط من إجمالي عدد الفنادق من ذات التصنيف، بينما شكلت المنشآت الإيوائية ذات التصنيف أقل من نجمتين ما نسبته 75% على مستوى سلطنة عُمان. في المقابل فقد بلغت نسبة الإشغال لهذه الفنادق 36% في عام 2023م منخفضة بنسبة تزيد عن 10٪، مقارنة بعام 2015، وهذا مؤشر يحتاج إلى وقفة.

 وبشأن أسعار الغرف الفندقية في سلطنة عُمان فإن متوسط سعر الغرف الفندقية بمختلف تصنيفاتها لفئة الثلاث نجوم في عام 2023 بلغ 30 ريالا عمانيا مقارنة بـ 33 ريالا لعام 2022، يرتفع هذا المتوسط بارتفاع تصنيف الفنادق حسب الآتي:

 – 43 ريالا عمانيا للغرف الفندقية لفئة الأربع نجوم في عام 2023، مقارنة 35 ريالا عمانيا في عام 2022. 

– 268 ريالا عمانيا للغرف الفندقية لفئة الخمس نجوم (بمختلف تصنيفاتها) في عام 2023، مقارنة بـ 235 ريالا عمانيا في عام 2022. 

مع أهمية ما ذكر بأن متوسط أقل غرفة في تصنيفات الخمس نجوب هو 62 ريالا عمانيا في عام 2023، مقارنة بـ 59.5 ريال عماني في عام 2022. لا يمكن أن تتجاوز هذه القراءة للأرقام والإحصاءات السياحية لقطاع السياحة العماني النظر إلى الميزان السياحي في سلطنة عُمان، حيث تشير الأرقام إلى فجوة واسعة بين أرقام السياحة الوافدة والسياحة المغادرة. في عام 2015 كانت الأرقام تشير إلى أن الفجوة في الميزان السياحي بين السياحة الوافدة والمغادرة (العجز في الميزان السياحي ) الى حوالي 116 مليون ريال عماني في حين ارتفعت هذه الفجوة لتصل إلى ما يقارب 553 مليون ريال عماني في عام 2023 وهذا مؤشر يمكن تفسيره من الزاوية الاقتصادية بارتفاع حجم السيولة الخارجة في حين يمكن قراءته كمؤشر اجتماعي يعكس التحسن المستمر في مستوى المعيشة للفرد والعائلة في سلطنة عُمان، لكن في الوقت نفسه يعزز من أهمية الاخذ في الاعتبار وبنظرة متعمقة في متطلبات السائح العماني ومدى توفر متطلبات الترفيه المطلوبة، والعمل على تطوير المنتجات والاستفادة من التجارب، على أمل أن تساهم هذه المنتجات والتجارب السياحية في مواصلة الحفاظ في ارتفاع مساهمة السياحة المحلية في إجمالي المساهمة العامة لقطاع السياحة العماني في الاقتصاد الوطني المشار إليها آنفاً. 

 فيما يتعلق بالموارد البشرية في قطاع السياحة والضيافة في سلطنة عُمان، فإن أرقام تشغيل العمانيين في قطاع الفنادق يعتبر مؤشراً أساسيا لقياس نسب العمالة الوطنية في هذا القطاع، لكون أن قطاع الضيافة من أهم القطاعات المستوعبة للقوى العاملة، حيث بلغ عدد العاملين في منشآت وسائل الايواء المختلفة في سلطنة عُمان 21984 عاملا في عام 2023 وفقا للإحصاءات الصادرة عن مركز الإحصاء والمعلومات، في حين بلغ عدد العاملين العمانيين 7097 عاملا وبنسبة لا تتجاوز 32٪، في حين فإن عدد العمانيين العاملين في مؤسسات نشاط وكالات السفر لم تتجاوز نسبة 27% من اجمالي العمالة البالغ عددها 2970 عاملا. 

 من الأرقام الواردة أعلاه، يمكن أن يتم استخلاص عدد من النقاط التي يمكن أن تساهم في تعريف المستهدفات لمواصلة الجهود البناءة التي تقوم عليها المؤسسات المختلفة لتعزيز مساهمة قطاع السياحة في المشهد الاقتصادي والاجتماعي في سلطنة عُمان. 

بشكل أساسي سوف يحتاج قطاع السياحة في المرحلة القادمة إلى التركيز على عدد من المستهدفات والتي يمكن أن تشمل:

 – أهمية العمل على كل ما سوف يمكن من تعزيز عدد الزوار المحليين والدوليين على حد سواء، والذي سوف ينعكس ايجاباً على عدد من المؤشرات السياحية، كإجمالي عدد الزيارات المحلية والدولية وإجمالي المساهمة الاجمالية للقطاع، والمساهمة المباشرة وغير المباشرة للقطاع في الناتج الإجمالي للاقتصاد العماني، هذا بالإضافة إلى تحسين نسب الإشغال الفندقي وخلق الوظائف المباشرة وغير المباشرة، وغيرها من المؤشرات الأخرى، وهنا يمكن الإشارة إلى: 

– زيادة الجرعات الترويجية المحلية والإقليمية والعالمية لتسويق السلطنة سياحياً، والتركيز على الأسواق والشرائح القائمة والواعدة. 

– العمل على تمكين سلاسل التسويق والوسطاء، ووضع الشركات العمانية الصغيرة والمتوسطة على تواصل مباشر مع الشركات العالمية المتخصصة في الحزم السياحية وتسويق الوجهات العالمية.

 – من الممكن أن يتم النظر في معدل أسعار الغرف الفندقية ذات التصنيف الأربع نجوم والخمس نجوم، بحيث تساهم المراجعة في تعزيز عدد الزوار والمساهمة في زيادة عدد الزوار في الفترات خارج فترة الموسم السياحي الاعتيادي، في هذا الإطار، يمكن أن تتم بعض الجهود التسويقية والحملات التكاملية بين مكونات القطاع لخلق حزم سياحية تستهدف السوق المحلي والأسواق الإقليمية، والبناء التكاملي للحزم السياحية بين مختلف الوجهات السياحية في سلطنة عُمان.

 – أرقام الميزان السياحي الحالية، تستدعي النظر في دوافع السياحة العمانية الخارجية، والنظر في توجيه الاستثمار السياحي لتشمل في توجهاتها استيفاء متطلبات السوقين المحلي والخارجي على حد سواء، على سبيل المثال المنتجات ذات الطابع الترفيهي، ومن المؤمل في هذا الشأن أن تساهم بعض المشاريع التي هي في طور الانشاء كحي الشرق وغيرها إلى تعزيز الجاذبية وتقليص الفجوة في الميزان السياحي، وهنا يجب ذكر الجهود التي تقودها وزارة التراث والسياحة وبالتعاون مع الشركة العمانية للتنمية السياحية (عمران) للنهوض بالاستثمار السياحي في السلطنة، وأهمية دعم هذه الجهود من مختلف القطاعات الأخرى لما يقوم به قطاع السياحة من دور تحفيزي لبقية القطاعات الصناعية والخدمية من خلال رفع جودة الحياة وتوفير بيئة محفزة وحاضنة لمختلف الأنشطة الاقتصادية المصاحبة.

 – فيما يتعلق بسوق العمل في قطاع السياحة بشكل عام، فإن هناك حاجة ماسة إلى إعادة النظر في جاذبية القطاع للقوى الوطنية، وإيجاد حلول تكاملية بين المؤسسات العامة لتعزيز جاذبية العمل في القطاع، وفي هذا الشأن من المهم أن يتم دعم كلية عُمان للسياحة كجهة أساسية في تأهيل القوى الوطنية في قطاع السياحة، وتمكينها من حيث أعداد الطلبة، والبنية والبيئة التعليمية المحفزة لاستقطاب الطلبة العمانيين.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*