مقال| “مو الوازي”

يكتبه: حمدان البادي| 

 بعض التجارب السياحية ينطبق عليها قول “مو الكالف والوازي ” من القيام بها، ذات مرة قادني الفضول لأكتشف ما بداخل الهرم الأكبر خوفو، تجربة تحمست لها، لأن طوابير السياح طويلة وهذا يعني إن هناك ما يستحق أن يرى، يومها كاد أن ينقطع نفسي وأصبت بالاختناق لضيق الممر الواصل إلى الغرفة، ولأن الماشي في طريقه للداخل لا يستطيع اتخاذ قرار بالعودة لاستحالة ذلك، كان يجب أن أواصل الصعود حتى الغرفة المنشودة لأجد تابوتا يقفز بداخله بعض السياح وإضاءة خافتة وهواء خانق ولأني مصاب برهاب الاماكن الضيقة فقد اخذت وقتا حتى أتمكن من مغادرة الغرفة في طريق العودة. 

 بالطبع لا مشكلة في المكان، والدخول إلى قلب الأهرامات واحدا من التجارب التي يجب على زوار الأهرامات تجربتها، لكن ليس لمن يعاني من رهاب الأماكن الضيقة أو على الأقل هذا ما اعتقده من تجربة شخصية.

 اتذكر هذا المشهد، وأنا أرى رواد الكهوف والممرات المائية الضيقة وهم يستمتعون بهذه التجارب والتي لا تخضع لوقت معين بين الليل والنهار لأن الظلام سيد الموقف بالداخل. في شهر رمضان كان مجموعة من الشباب العمانيين يعبرون كهف الهوته ويحتفون بتناول إفطارهم في أحد الزوايا وقبلهم مجموعات كبيرة عبرت للجانب الآخر من الكهف لمسافة 5 كم، أي أبعد من المسافة المهيأة للزوار، ممرا كفيلا بأن يصيب أمثالي من مصابي رهاب الأماكن الضيقة بالاختناق لمجرد مشاهدة الرسم التوضيحي للمسار. 

 قرأت مؤخرا خبرا عن وجود كهف تحت البحر قرب مدينة مرسيليا جنوب فرنسا عثر عليه من قبل رجل يدعى كوسكير في عام 1985 وسمى باسمه، ويحوي على 200 رسم لخيول وثيران وطيور، وهذا يعتبر إرثا جيولوجيا، لكن المشكلة تكمن في الوصول إليه عن طريق ممر ضيق بطول 150 مترا بعد النزول للبحر بعمق 35 مترا، ويحتاج لتجهيزات خاصة. 

 لهذا “مو الوازي” من ممارسة أنشطة سياحية لا تناسب التكوين الفسيولوجي للشخص، والأمر لا يقتصر على المصابين برهاب الأماكن المغلقة، فهناك أنشطة كثيرة لها محبيها ومريدها ولكنها لا تناسب الجميع، حتى وإن كانت ممارستها من باب كسر الخوف أو مواجهه المخاوف، مع إن بعض هذه التجارب تكون استثنائية وتظل في الذاكرة وتصنع حياة لصاحبها، والإنسان يقيس على عمره ويعيش التجارب التي يجد فيها نفسه.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*