مقال| ساعة تستور العجيبة

يكتبه: حمدان البادي|

 في الوقت الذي كنا نحاول فيه أن نفك لغز ساعة تستور التي تدور عكس عقارب الساعة في نهاية صومعة المسجد الكبير بمدينة تستور في الشمال الغربي من تونس -المئذنة التي لا تشبه المآذن والساعة التي لا تشبه الساعات – قطع علينا رجل تأملنا ليكشف لنا عن بعض من جهلنا ويفسر لنا جزءا من قصة الساعة والمئذنة ويبدوا إنها حديث السياح ونقطة جذبهم للمدينة. 

 ساعة تستور هي واحد من ثلاث ساعات في العالم وفقا لما ذكرته فاتن الوسلاتي من مركز تقديم التراث في تستور وهي – أي الساعة- عجيبة وغريبة لأنها تدور عكس عقارب الساعات، لكن لصانعيها الحركة والاتجاه صحيحان إلا أنها ليس كما اعتدنا عليها ولصانعيها فلسفتهم ورؤيتهم في ذلك وللساعة رمزيتها بدأ من استخدام الكتابة العربية واتجاه الحركة الذي يتوافق مع حركة الطواف حول الكعبة، واتجاه دوران الدم في الجسم، إلا إن من أهم التفاسير التي بنيت عليها الساعة لتكون حركتها بهذا الاتجاه هو الحنين للأندلس، لعل الزمن يعود بالموريسكيون إلى الوراء وفي رواية أخرى لأن الأندلس باتجاه حركة دوران عقارب الساعة. 

 لكن ما علاقة الأندلسيين بمدينة في تونس؟. في مرحلة تهجير الأندلسيين وخاصة بعد سقوط غرناطة كانت السواحل الأفريقية هي الملاذ الذي لجأ إليه من تركوا الأندلس وتحديا من الموريسكيون في هجرة مؤقتة – كما كانوا يعتقدون -وحلم العودة لهذا أسّسوا عددا كبيرا من التجمعات والقرى ذات الطابع الأندلسي بما فيها تستور وبدعم من العثمانيين، وذلك وفقا للمعلومات الذي قالها لنا رشيد السوسي رئيس جمعية صيانة مدينة تستور، وفي حديثه عن الجامع الكبير وساعة تستور العجيبة قال: “أن المئذنة التي تقع عليها ساعة تستور نصفها مربع يتبع للمذهب المالكي السني وهو مذهب دول المغرب العربي والنصف الأعلى مثمن للمذهب الحنفي الذي أتى عن طريق العثمانيين إلى جانب إن مئذنة الجامع الكبير فيها ما يمثل الأديان الثلاثة، فإلى جانب الإسلام، هناك نجمة داود التي تشير لليهودية، وكذلك الثالوث المسيحي عبر الكرات الثلاث وهي رموز الديانات الثلاث وهذا يدل على التسامح الذي كان قائماً بين مختلف سكان المدينة”.

وفي أعلى الصومعة أو المئذنة علم من حديد يحدد حركة الرياح ويدور حيث دارت الرياح، والمئذنة هي التي تحدد الاتجاهات لهذا تقع الساعة المعكوس في جهة الجنوب، وحسب ما يشير إليه العَلم في لحظة زيارتنا فان حركة الرياح كانت من الغرب إلى الشرق. ولأن الريح قد تحول دون سماع الأذان من الناحية الغربية فإن في أعلى المئذنة سارية يرفع عليها علم يحدد مواقيت الصلاة ودخول وقت الإفطار في رمضان حتى يراه أهل تستور الذين لا يتمكنون من سماع الأذان. 

تستور كانت تسمى تيكيلا وتكتب باللاتينية تشيلا وهي تعني العشب الأخضر، عاش فيها البيزنطيين والرومان لأكثر من ثمانية قرون وعلى انقاضهم اسس الموريسكيون تستور في عام 1610 لهذا تنعكس آثارهم على جامع تستور ومأذنة من حيث شكل البناء إلى جانب نمط البناء الأندلسي والعثماني واختزال لتاريخ تونس والحضارات التي تعاقبت عليها.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*