مقال| مسكد

يكتبه: حمدان البادي|

يوم في مسقط أو مسكد كسائح انظر لها بعين المستكشف الأول وأنا الذي قضيت أكثر من نصف عمري في العاصمة لهذا لم تكن زيارتي عابرة كما أعتدت حين أريد أن أبدد الوقت مع صديق قادم لمسقط إنما زيارة تم الإعداد لها وفق تخطيط مسبق وجاءت ليوم كامل، ولأن مسقط كبيرة لا يمكن استيعابها في يوم ولا أيام لمن أراد أن يزورها بدهشة المستكشف الأول وأن يتتبع خطى من سكنوا بها فقد خصصت الجزء الأكبر من يومي لمسقط وما تبقى من وقت لمطرح هاتين المدينتين اللتين فتحت ذراعيهما لسادة عُمان وأئمتها وحتى القراصنة واللصوص وجدوا فيها مستقراً ومقاما كملاذ جبلي آمن بين البحر والجبل، مدينتان متصلتان بالعالم عبر البحر في الحقب الزمنية العابرة، ومنها انطلقت الأساطيل تجوب بحار العالم لتفرض عُمان نفسها كقوة سياسية امتدّت عبر حقب زمنية بكل الصراعات والاختلافات والأجيال التي عاشت وحكت الكثير عن مسقط.

مسقط هي الخليج الذي أطلق عليه بيريبلوس اسم موسكا أي انها من العصور القديمة كما يرى قارن شبرنجر في جغرافية البلاد العربية، وقد ذكرها الإدريسي سنة 1153 بانها كثيرة السكان ومع ذلك ابن بطوطة الذي وصل لعمان في 1324 لم يمر بها حسب ما نشر ماكس أوبنهايم في رحلته إلى مسقط في نهاية القرن التاسع عشر.

مسقط في يناير أجمل ما تكون لهذا حرصت أن تبدأ رحلتي من بوابة مسقط لما تشكله من رمزية في التاريخ الحديث وذلك للاطلاع على المتحف في أعلى البوابة فهو بوابة الزائر التي تأخذه إلى عمق الماضي في مسقط وطبيعتها وآثارها وبعض الصور القديمة والخرائط التي وثقها الرحالة، وبعد ذلك تم تعزيز هذه المعلومات بالثراء المعرفي الذي يقدمه المتحف الوطني عن عُمان وتاريخها، ومن ثم الوقوف على ما تبقى من أثر وشاهد.

في مسقط هناك الكثير من التفاصيل المدهشة التي رسم ملامحها السلطان قابوس، طيب الله ثراه، وفي مسقط لكل بيت قصة فهناك البيت الفرنسي “مغلق حاليا للصيانة” وبيت الجريزة وبيت الزبير وبين السيد نادر وبيت مزنة وقصر العلم الذي يعود بناؤه الأول لعام 1800م وسور مسقط بأبوابه الاربعة ومسجد الخور وقلعتي الجلالي والميراني والمدرسة السعيدية، وهي معالم تقدم جزءا من الحياة الاجتماعية والسياسية في مسقط التاريخية.

وفي حارات مسقط القديمة حكايا حيث احتفظت بعض الحارات بأسمائها واختفت بعض المسميات كميناء المكلا، وتم تعيير البعض كحارة العور او العميان لحارة العود، بينما احتفظت حارة ولجات وحارة التكية وحارة سداب وحارة الطويان بمسمياتها ولكل حارة حكاية أعاد بعض الكتّاب العمانيين تخيل شخوصها وتحريكهم كما في رواية مسكد لطارق المنذري وروايتي دلشاد والباغ لبشرى خلفان وروايتي صابرة وأصيلة وحارة العور للسيدة غالية آل سعيد وبيت الجريزة لهاشم الشامسي سيرة للإنسان والمكان وسيرة الوالي اسماعيل الرصاصي “والي مطرح”، وغيرها الكثير من الأعمال التي كانت مسقط ومطرح باعثة على الإلهام لكتابتها وهي أعمال قرأتها وساعدتني على اكتشاف مسقط بطريقة مختلفة، مع يقيني بأن تلك الاعمال الأدبية وشخصياتها تبقى من خيال الكاتب حتى وأن تشابهت أماكنها.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*