يكتبه: د. رجب العويسي|
إن إنتاج بيئة إسكانية نموذجية قادرة على رفع سقف التوقعات والفرص الإيجابية والنفسية والجمالية والذوقية في حياة السكان القاطنين فيها، وضامنة لوجود بيئة صحية تنمو فيها فرص العيش الآمن، لم يعد حالة مزاجية ظرفية، بقدر ما هو خيار استراتيجي لتحقيق جودة الحياة وتأصيل مبدأ أنسنة المدن، الأمر الذي يستدعي التفكير لنقل مفهوم الأحياء السكنية من كونها مجموعة من المنازل والفلل السكنية داخل محيط إسكاني واحد ومنطقة محددة الامتدادات، إلى منظور عمراني وبيئي وإسكاني تفاعلى يعيش سكانه حياة متجددة ويتقاسمون انماطا ثقافية مشتركة.
ولمّا كان الوصول إلى هذا الطموح يواجهه التعقيد والتحدي خاصة في الأحياء السكنية القديمة، إلا أن ذلك مما ينبغي تداركه في المخططات الإسكانية الجديدة والمدن المتكاملة ؛ بحيث تضع المؤسسات ذات الصلة، في جوهر خططها، الانتقال بهذه الأحياء من التكرارية والتعقيدات الناتجة عن حالة العشوائية في توزيع المخططات السكنية، إلى كونها مساحة للتفكير الجمعي في إعادة هندستها بصورة متكاملة، وتوفير نماذج عملية قادرة على رسم صورة أخرى أكثر أمانا واستقرارا وانتماء للحي السكني من السكان القاطنين فيهه.
فمع أولوية توفير الخدمات الأساسية لها من شبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي والاتصالات والطرق والنقل، تأتي أهمية البحث في خصوصية كل حي سكني والميزة النسبية فيه والقيمة المضافة ذات البعد الترويحي والسياحي، من خلال توفير المساحات المتكاملة المخصصة لرياضة المشي، والدراجات الهوائية ودراجات الأطفال، والاستفادة من المناطق المفتوحة المحاذية للمساجد في توفير المسطحات الخضراء، وإضافة عمليات التشجير المنظم والتنظيم الجمالي لمداخل ومخارج هذه الأحياء لتشكل بدورها بيئة نموذجية تضيف لمسات الجمال والحس المرهف لقاطنيها وتنعكس عليهم بمزيد من الإيجابية.
أخيرا، لقد أضافت الاشتراطات الفنية التي وضعتها جهات الاختصاص في مرحلة سابقة على مستوى واجهات المنازل والمجمعات السكنية، بعض الحضور الجمالي في الخريطة الاسكانية، إلا أنها لم تكن كافية في إعادة انتاج بيئة سكنية صحية وأمنة وجاذبة للعيش فيها ويشعر سكانها بالمزيد من الاريحية والاستقرار النفسي، في ظل ارتفاع سقف الهدر الناتج عن الازدحام المروري وغياب الخصوصيات وقلة وجود المتنفسات الترويحية والسياحية.