يكتبه: حمدان البادي|
تشكل اللهجات المحلية في الدول العربية جزءا مهما من الهوية الثقافية، حيث تضيف غنىً وتنوعا إلى تجربة التواصل الانساني، ويجد السياح العرب أنفسهم أمام لوحة لغوية زاخرة، حيث تختلف اللهجات والنطق بشكل ملحوظ من بلد إلى أخر، بل وأحيانًا من مدينة إلى أخرى داخل البلد الواحد.
فمثلا، لهجة أهل الشام تتباين بين سوريا ولبنان والأردن وفلسطين، ولهجة مصر القريبة من الجميع تختلف بين المدينة والصعيد، وكذلك اللهجات المغاربية، وصولًا إلى لهجات العراق والخليج واليمن، وكلها تمتاز بسمات وملامح خاصة تجعلها تجارب لغوية مميزة.
لذا من الطبيعي حين نلتقي بأفراد أو نزور هذه الدول نقوم باستعراض مهارتنا في التحدث باللهجة كنوع من التعبير عن مدى ادراكنا لثقافة البلد ولهجاته التي تشكلت بمفردات عربية اكسبتها طريقة النطق طابع خاص أصفى عليها سمة جمالية عما أعتدنا عليه في استخدام المفردة أو المعنى الذي تؤديه في مكان آخر.
وقد تكون بالنسبة لنا في منطقة الخليج العربي اللهجة المصرية واللبنانية والسورية مألوفة أكثر من غيرها، وذلك يعود إلى الدور الذي لعبته وسائل الإعلام منذ وقت مبكر في تعزيز حضورها إذ لعبت القنوات التلفزيونية، والأغاني، والصحف، والكتب دورا كبيرا في تقديم هذه اللهجات كأدوات تواصل لم نجّد لاحقا صعوبة في فهمها والتفاعل معها.
على المستوى المحلى، أوجدت الدراما المحلية لهجة خاصة شكلت هوية ثقافية عن عُمان لدى الآخر وحتى لدى العمانيين وهي لهجة لا يتكلمها أغلب العمانيين، بينما كشفت وسائل التواصل الاجتماعي الثراء اللغوي وتنوع اللهجات الذي يتحدث به العمانيين والبعض أكتسب شهرته وتأثيره عبر تميزه باللهجة التي يتحدثها وهنا لا اقصد اللغات التي تزخر بها السلطنة وإن كانت هذه اللهجات في عُمان أو في سائر الدول العربية تمتزج ما بين كونها لهجة ولغة في ذات الوقت.
ورغم ميل البعض للحديث بلغة عربية بيضاء- فصحى مبسطة- لا يمكن كشف هوية صاحبها، إلا أن سعي الآخرين لإتقان اللهجات المحلية واستخدامها في الحديث يعكس محاولة للتقرب من أهل البلد واحترام خصوصية لغتهم.
ولعل هذا التوجه في “التحدث بلهجة أهل البلد” بات يشكل جزءا من طقوس السفر إلى بعض الدول العربية، وأسرع الطرق للوصول إلى قلوب الناس، حيث يسعى السائح إلى إتقان كلمات أو عبارات محلية للتحية والتواصل، مما يعكس تقديره لثقافة البلد الذي يزوره.
لذا تعدد اللهجات وتنوعها في العالم العربي ليس مجرد تميّز في النطق والمفردات، بل هو جزء من الهوية الثقافية التي تمثل نوعا من التفاعل بين الشعوب العربية، وتفتح نوافذ جديدة على ثقافات متعددة، حيث يجد السائح نفسه أمام فرصة فريدة للتعرف على أصالة المجتمعات العربية، ويعود محملا بتجربة لا تُنسى، هي ليست فقط في زيارة المكان، بل في التواصل مع الناس بلغتهم الخاصة، وهو ما يضيف للسياحة العربية بُعدا إنسانيا وثقافيا مميزا.