رؤية نقدية| الدراما العمانية: من الفكرة إلى التنفيذ

يكتبها: آمنة بنت محمد البلوشية|

الدراما العمانية بحاجة إلى تطوير شامل وجاد، يعتمد على شغف فني حقيقي يظهر في كافة جوانب الإنتاج. سلطنة عمان تتمتع بإرث ثقافي غني مليء بالقصص والحكايات وتفاصيل من الحارات القديمة التي يمكن أن تتحول إلى أعمال درامية متميزة. مع تنوع التراث الأدبي العماني من كتب وروايات تعكس تاريخا طويلا، هناك فرص كبيرة للاستفادة من هذه المواد الغنية في تقديم محتوى درامي مبتكر.

تتسم اللغة العمانية بتنوع لهجاتها وبساطتها، ما يجعلها وسيلة قوية للتعبير الفني. هذه اللهجات لا تقتصر على كونها وسيلة للتواصل، بل تحمل أيضًا مفردات تعكس عراقة التقاليد والعادات العمانية، ويمكن استخدامها بشكل فني في الأعمال الدرامية لخلق نصوص متجددة ومعبرة تتلامس مع مشاعر الجمهور.

كما أن ذاكرة المجتمع العماني مليئة بالأساطير والقصص الشعبية التي تحمل في طياتها معاني اجتماعية وإنسانية عميقة، ويمكن تحويلها إلى نصوص درامية مبدعة تحمل رسائل قادرة على التأثير في الجمهور. لكن رغم هذه الإمكانيات الهائلة، ما زالت بعض الأعمال العمانية الحالية تفتقر إلى العمق والتفاعل مع الجمهور، وذلك بسبب التصنع في بعض الأدوار، مما يقلل من مصداقية العمل ويضعف ارتباط المشاهد بالشخصيات.

ورغم هذه التحديات، لا يزال الجمهور يتذكر الأعمال العمانية القديمة مثل “شايب خلف”، “شنجوب”، “الفك المفترس”، “شمسا وعبود”، و”سعيد وسعيدة”، التي تركت بصمة واضحة في الذاكرة الجماعية. تتمثل قوة هذه الأعمال في أنها قدمت محتوى محليا يعكس القضايا الاجتماعية والإنسانية بأسلوب طبيعي وغير متكلف، مما جعلها تحظى بشعبية كبيرة واستمرت في التأثير على الأجيال.

ولكن رغم تلك الإيجابيات، لا بد من أن يكون هناك حرص على مراعاة الثغرات في الإنتاج. قبل بدء العمل على إنتاج مسلسل، يجب تحديد الهدف من هذا الإنتاج بعناية، بعيدا عن التركيز المستمر على القضايا الاجتماعية. فمسلسلات الدراما العمانية غالبًا ما تركز على توعية الجمهور بمشاكل المجتمع، وهي خطوة إيجابية، لكنها يجب أن تكون متوازنة مع نصوص درامية ذات متانة وقوة، تُقدم بشكل مختصر وتعطي انطباعًا إيجابيًا.

من نقاط الضعف الملحوظة أيضا في بعض الأعمال العمانية، التصوير الداخلي الذي غالبًا ما يقتصر على البيوت والفلل أو المقاهي، مما يضعف التنوع البصري للعمل. لذلك، من الضروري أن يتم تصوير مشاهد خارجية في أسواق قديمة، متاحف، قلاع، حصون، وغيرها من الأماكن التي تعكس تراث عمان الغني. هذا التنوع في التصوير سيخلق صورة ذهنية مغايرة تعكس التنوع الثقافي والبيئي لعمان.

ومع تحول الدراما إلى صناعة تتطلب استثمارات ضخمة، يصبح من الضروري أن تكون هناك موازنات أكبر لتحسين مستوى الإنتاج. المنتجون والشركات الفنية التي تستثمر في هذا المجال على دراية كاملة بنقاط ضعف الدراما العمانية، ويجب أن تُمنح الفرصة لتحسين هذه الثغرات من خلال رفع الموازنة والتركيز على تطوير النصوص والإخراج.

ولا بد أن تلعب الجهات الداعمة للدراما العمانية، إن وُجدت، دورًا أكثر فعالية في دعم الفنان العماني والمخرجين. فعلى الرغم من ضعف البنية الفنية في الماضي، استطاع العديد من الفنانين والمخرجين تقديم اجتهادات ملحوظة تستحق الاحترام. لكن هذا الدعم لا يجب أن يقتصر على الجانب المعنوي فقط، بل يجب أن يكون ماديا أيضا لضمان تطور الصناعة وخلق بيئة فنية قادرة على المنافسة.

من خلال توفير وتحسين الميزانيات المخصصة للإنتاج، وتعزيز مهارات الممثلين، وتشجيع المبدعين الشباب على المشاركة في الكتابة والإخراج، سيكون بمقدور الدراما العمانية أن تحقق تقدمًا ملحوظًا. ويعد دور الجهات المختصة في دعم هذا المجال أمرًا بالغ الأهمية، إذ لا يمكن أن يتحقق هذا التطور بشكل كامل دون توفير الدعم المادي الذي يساهم في تعزيز إمكانيات الإنتاج، ورفع جودة الأعمال الفنية، وبالتالي يساعد الدراما العمانية على استعادة بريقها والتنافس على مستوى أوسع.

ayaamq222@gmail.com

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*