مقال| مناشدة.. رحلة في قلب عُمان

يكتبه: آمنة بنت محمد البلوشية |

برنامج “مناشدة” يُعد واحدا من أبرز البرامج التوثيقية في سلطنة عُمان، حيث يعكس التنوع الجغرافي والثقافي للمحافظات العمانية، التي تمتاز كل منها بطابعها الخاص. فمن السواحل الممتدة على البحر إلى الجبال الشاهقة والصحارى الواسعة، تحتفظ عُمان بثروات طبيعية وتراث ثقافي غزير يعكس تاريخها العريق، وهو ما سعى البرنامج إلى توثيقه وتسليط الضوء عليه، محافظا بذلك على جزء كبير من الهوية العمانية.

لم يقتصر البرنامج على التعريف بالموروث الثقافي فقط، بل ركّز أيضا على دعم الأسر المنتجة والحرفيين، من خلال استعراض مشاريعهم المبتكرة التي تسهم في دعم الاقتصاد المحلي وخلق فرص عمل. كما سلّط الضوء على جهود المجتمعات المحلية في الحفاظ على المهن التقليدية، مثل صناعة العسل التي حققت نجاحا ملحوظا عبر تصديرها إقليميًا ودوليا، مما يعكس جودة الإنتاج العماني وقدرته على المنافسة عالميا.

في المجال السياحي، قدّم “مناشدة” تجارب فريدة، مثل استكشاف قرية مسفاة العبريين التي تستقطب الزوار من داخل السلطنة وخارجها، حيث توفر تجربة سياحية متكاملة داخل بيئة لم تتأثر بالمدنية الحديثة، وما زالت تحتفظ بجمالها التراثي والثقافي. كما تناول البرنامج أهمية المسارات السياحية في القرى الجبلية، التي تعكس التاريخ الاجتماعي والثقافي العماني، وتعزز مفهوم السياحة المستدامة.

ومن بين الجوانب الفريدة التي ركّز عليها البرنامج، تسليط الضوء على التنوع اللغوي في عُمان، حيث قدّم لمحة عن لهجة كمزار في مسندم واللغة المهرية في ظفار، مؤكدا على أهمية حفظ هذه اللغات التي تمثل جزءا من الهوية العمانية. وقد تطرق إلى شخصيات بارزة، مثل البروفيسورة البريطانية جانيت واتسون، التي أبدت اهتماما خاصا بتعلم اللغة المهرية، وتمكنت من حفظ 50 عبارة وتنسيقها مع جمل يوميا حتى تمكنت من ممارسة اللغة المهرية، مما ساعدها على التفاعل بسلاسة مع أبناء المجتمع المهري، وهو ما يعكس تأثير التراث العماني على الزوار والباحثين الدوليين.

وبما أن كل محافظة في عُمان لها خصوصيتها، تناول “مناشدة” أيضا تفاصيل الحياة البحرية، حيث استعرض سمك القاشع، وهو من الأطعمة البحرية التقليدية المهمة في السلطنة. وشرح البرنامج طرق تجفيفه واستخدامه، التي تختلف من منطقة لأخرى، مما يعكس ثراء المطبخ العماني. كما أبرز دور عُمان في تنظيم عمليات الصيد والتصدير، وتطوير أساليب حديثة تحافظ على البيئة البحرية، بما يتماشى مع متطلبات العصر، ويضمن استدامة الموارد الطبيعية.

تميز “مناشدة” بفضل الجهود التي بذلت خلف الكواليس، حيث نجحت المعدة نوال الحجرية في اختيار مواضيع ثرية ومتنوعة، تعكس هوية السلطنة وتبرز قصصا تستحق التوثيق، بينما برع المقدم محمد الذهلي في نقل الحدث بأسلوبه المميز، حيث “ناشد” علوما ومعلومات مختلفة، مما أضفى على البرنامج طابعا تفاعليا وقريبا من الجمهور.

وفي رأيي الشخصي، من المهم أن يستمر البرنامج في تقديم مواضيع متنوعة بالتنسيق مع جهات حكومية مختصة مثل هيئة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وزارة التراث والسياحة، وزارة الثقافة والرياضة والشباب، وجمعيات المرأة العمانية. كل هذه الجهات لديها مبادرات مجتمعية ومشاريع يمكن أن تكون موضوعا مثيرا للبرنامج، مما يسهم في تسليط الضوء على ابتكارات ومبادرات جديدة غير نمطية ويحقق الغاية المرجوة من البرنامج.

يبقى “مناشدة” نموذجا ناجحا في مجال البرامج التوثيقية، حيث ساهم في إحياء التراث الوطني وتعزيز الهوية العمانية، من خلال تقديم محتوى غني يمزج بين الثقافة، والتاريخ، والسياحة، والحرف التقليدية.

استمرار مثل هذه البرامج ضروري لتعريف الأجيال القادمة بقصص وحكايات شكلت التاريخ الثقافي والاجتماعي للسلطنة، مما يعزز مكانة عُمان كوجهة ثقافية وسياحية بارزة في المنطقة.ayaamq222@gmail.com

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*