بقلم : أ. جوخة الشماخية | الشغف هو أن تعيش اللحظة، وتمارس التفاصيل التي تحبّها، التفاصيل التي تجعلك تشعر بالراحة والسكينة، قد ينظر الآخرون إلى شغفك بأنه مجرد شيء بسيط، لكنّ ذلك لا يهم، المهم كيف تراه أنت، وماذا يعني لك؟. أحد أشكال الشغف التي تمتعني لحظاتها، لحظة الخروج إلى الطبيعة، هنا أقرّر أن أتجرّد من أي حدث أو ذكرى من شأنها أن تُزعجني أو تعكّر صفو مزاجي، وأعتق نفسي من أشياء كثيرة، سيما الأشياء التي قد تُفسد عليّ لحظات متعتي.انطلقنا من ولاية عبري في حدود الساعة السابعة صباحا، وجهتنا هذه المرة كانت وجهة ساحلية، نقصد منها زيارة نيابة (الأشخرة) التابعة لولاية جعلان بني بو علي، الواقعة في محافظة جنوب الشرقية، إحدى محافظات سلطنة عمان.قررنا أن نسلك طريق محافظة الداخلية المؤدي إلى محافظة مسقط، ومنه انعطفنا متجهين إلى محافظة جنوب الشرقية، حينها وجدنا أنفسنا نسير في مسار يعبق بروائح الطبيعة في صباحها الباكر، حيث لا تزال بكرا، لم تلوّثها أيدي بشر. من جهة اليمين طالعتنا الجبال بتعرجاتها المختلفة، تتناثر أمامها أشجار الغاف المخضرّة، يبدو أن الأمطار التي أهدتها السماء لعُمان مؤخراً قد دغدغتها فاخضرّت، أمّا عن يسارنا، وعلى امتداد أبصارنا، طالعتنا زرقة البحر وشواطئه الفيروزية، فإن كنت من عشّاق البحر، ستظل عيناك معلقتين بتلك الزرقة، التي تأسر لبّك وخيالك قبل قلبك.أثناء هذا التجوال، كنا نسير على مهل، شاهدنا أماكن عديدة، بالتأكيد -عزيزي القارئ- قد سمعت عنها، وربما قد زرتها مسبقا، أذكر منها: ولاية قريات، إحدى ولايات محافظة مسقط، التي تبعد عنها ما يقرب من 100 كيلو متر، ونيابة طيوي، التي تحوي وادي شاب، أحد أجمل وديان السلطنة، هذا الوادي الذي أجبرنا جماله على التوقّف؛ للاستمتاع، واحتساء القهوة العمانية، والتقاط بعض الصور التذكارية، مررنا كذلك على مدينة قلهات التاريخية، وولاية صور، مدينة السفن، وأقدم الموانئ البحرية، يلقّبها أهلها بـ (العفية)، ومنها شاهدنا (العيجة)، وجسرها الجميل، ومن خلال المسلك نفسه، يستطيع السائح أن يصل إلى نيابة رأس الحد، ليشاهد (محميّة السلاحف الخضراء)، التي لم تقدر لنا الظروف أن نزورها أثناء رحلتنا، كما شاهدنا العديد من الأخوار، منها خور البطح، الذي يُعدّ من أكبر أخوار المحافظة.استمر مسيرنا باتجاه وجهتنا الرئيسة، نيابة الأشخرة، بهدف قضاء عدة أيام؛ رغبة منا في الاستجمام البحري، بعيداً عن صخب الحياة، وضوضاء المدن. قبل بدء الرحلة كنا قد حجزنا بيتا قريبا جدا من الساحل؛ لذلك لم نكن بحاجة إلى وسيلة مواصلات تقلّنا إلى البحر، مما وفّر لنا مساحة من الحرية في زيارة الشاطئ، وفقاً للوقت الذي نريده، فُرادى أو جماعة. كنا نختار أماكن غير مزدحمة بالسياح؛ من أجل الخصوصية، والمحافظة على التباعد الاجتماعي، كاحتراز من وباء “كوفيد19″، الذي لا يزال مستمراً في الانتشار.
أول لقاء بيننا وبين شاطئ (قِبْلة البحر) – وهو الاسم الذي أطلقته على الأشخرة – كان في مساء أول يوم بعد وصولنا، أبصرنا البحر الممتد بلا نهاية، ارتمينا في أحضانه، كمن يعانق حبيبٌ حبيبَهُ بعد طول اشتياق، ارتفعت الضحكات، وارتسمت السعادة على محيانا جميعا.رغم بساطة البيت الذي استأجرناه، إلا أننا وجدنا فيه معظم الأشياء التي نحتاجها، فهناك مكان مهيأ لإعداد المشاوي، كما يوجد مسبح، وجلسات خارجية، وأرجوحة، جميعها كانت إضافة لاكتمال المتعة، لا سيما المسبح الذي قلما يكون خاليا من محبي السباحة، كل واحد منا كان على سجيته، يمارس هواياته وميوله واهتماماته من دون أية قيود، بالنسبة لي كان الكتاب والمفكّرة والقلم أهم رفقائي، أما من أهم مهامي إعداد وجبة الإفطار والشاي والقهوة.من المشاهد التي حرصت على مشاهدتها مشهد الشروق وهو ينعكس على صفحة مياه البحر، ففي اليوم الثاني صحوت باكرا، اصطحبت اثنين من أولادي؛ من أجل أن أضمن تصويراً احترافياً لهذا المشهد المحبّب إلى نفسي، وصلنا إلى الشاطئ قبل بدء الشروق بكثير، مشينا طويلا، الجو كان لطيفاً ومنعشاً، جلست على صخرة أترقّب أولاً بزوغ أشعة الشمس، حين بدأت في الظهور كانت صغيرةً جداً، ومع مرور الثواني والدقائق أخذ حجمها يكبر شيئا فشيئا، فبدت وكأنّها كتلة من ذهب خالص، أحسست كأنها تقترب مني، وأنا ما أزال معلّقة ناظريّ بها، شعرت بسعادةٍ غامرةٍ، وكأنني قد حققتُ إنجازاً عظيماً، التقطنا لمشهد الشروق تصويراً مرئياً يصعبُ وصفه.كم كانت رحلة المسير رائعة، رغم طول المسافة بين ولاية عبري ونيابة الأشخرة، إلا أننا لم نشعر بأي مللٍ أو ضجر، أما رحلة العودة فقد أشعرتنا بشيء من الإحباط، وكأن المسافة قد طالت عما كانت عليه، ركبنا السيارة، وأعيننا تودع كل شيء عايشناه خلال فترة بقائنا في الأشخرة، على أمل أن تتجدد زيارتنا لها خلال الصيف القادم بإذن الله.