د. عهود بنت سعيد البلوشية | على مائدة العشاء الأنيقة، وضوء الشموع الدافئة، التفتت مضيفتنا جميلة الروح وأسرَت لنا بخجل عن مشروعها الصغير والذي كانت تخطط له منذ سنين طويلة.
لم نكن بالطبع نعرف ذلك مسبقا، وكان سؤالنا السريع عن ماهية ذلك المشروع. أجابت مبتسمة بهدوء “متحف”. لم نكن نتخيل أن يكون المتحف مشروعاً شخصياً! ولكننا في الوقت ذاته نجلس أمام إحدى الرائدات العمانيات على المستوى العلمي والاهتمامات الشخصية: صاحبة السمو السيدة الدكتورة غالية بنت فهر آل سعيد الأديبة والفنانة التشكيلية ذات الحس الفني والإنساني المرهف. شعرنا بالحماس لمشاركتنا- ولو من باب الاستماع والتشجيع- في تحقيق حلمٍ حصريَ.
أخذتنا مضيفتنا في جولة داخل المتحف الملاصق لمنزلها في أحد أحياء مدينة مسقط التاريخية- حيث ذكريات طفولتها الجميلة- والمطل على ضفاف بحر عمان في ما يعرف بكورنيش مطرح. تجولنا، تملؤنا الفرحة والحماس ونحن نشاهد ونلمس مقتنيات المتحف المختلفة، وبين الفينة والأخرى نسأل السيدة غالية بدهشة من أين أتت بتلك المقتنيات القديمة- خاصة تلك التي قد لا تحمل قيمة مادية ولكن تبقى قيمتها المعنوية كونها كانت جزءا من حياة العمانيين في حقبة زمنية قريبة. أرجعتنا تلك الجولة إلى الماضي خلال دقائق قصيرة وأثارت ذكريات جميلة.. كسرنا هدوء المساء بأصواتنا وملأنا المكان بضحكاتنا ونحن نتشارك ذكرياتنا التي أنعشتها رؤية المعروض في المتحف.
يقدم “متحف غالية” لمحة من حياة الإنسان العماني في الماضي القريب خلال حقبة زمنية شهدت التغيَر إلى الحداثة المعاصرة. ويضفي عليه موقعه في مطيرح الواقعة بين مطرح ومسقط في منزل قديم لا يزال يحتفظ بالمعمار العماني التقليدي الذي يعود إلى عام 1920م قيمة تاريخية وإنسانية تعزز من الدور الذي يقوم به هذا المتحف في اعطاء زواره صورة عن الحياة في المنزل والحارة خلال الفترة من 1950م إلى 1975م. ترجمت السيدة غالية شغفها بتجميع القطع التراثية والأدبية والتعليمية وغيرها إلى متحف يضم معروضات تم وضعها في مجموعات حسب الغرض من استخدامها في الماضي. ويضم المتحف سبع غرف رئيسية تقدم صورة بصرية سريعة عن الحياة في تلك الفترة الزمنية: غرفة العروس العمانية، غرفة المطبخ، غرفة المرأة والطفل، غرفة المجلس، غرفة المجموعات المختلفة الاستخدامات، غرفة المعيشة، غرفة مصبح. وتتنوع المعروضات بين صناعات حرفية عمانية أصيلة وبين صناعات وأدوات جلبت من دول مختلفة لإستخدام العماني مما يعكس التواصل الحضاري بين السلطنة ودول الجوار خاصة لكون ميناء مسقط ميناء حيوياً على الصعيد العالمي مما أنعكس على الحياة العامة في تلك الفترة.
قبل كتابة هذا المقال قمتُ بزيارة متحف غالية مرة أخرى بعد افتتاحه رسميا، ورجعت بذاكرتي إلى “الزمن الجميل” أو هل ياترى الذي نريدُ أن نتذكره كذلك؟!