مسقط – العمانية – فانا|
تكللت جهود السلطنة ممثلة في وزارة التراث والثقافة والمندوبية الدائمة للسلطنة لدى منظمة اليونسكو في إدراج موقع مدينة “قلهات” الأثرية على قائمة التراث العالمي باليونسكو.
جاء ذلك في إطار الحرص الدائم للسلطنة في إبراز تراثها الحضاري والثقافي والإنساني والتعريف بالقيمة الاستثنائية المتمثلة في أصالته كتراث ثقافي عالمي ترشيح موقع المدينة لإدراجها ضمن القائمة العالمية.
كما جاء إدراج موقع مدينة قلهات التاريخية في قائمة التراث العالمي وهو الموقع العماني الخامس في هذه القائمة خلال الدورة الثانية والأربعين للجنة التراث العالمي المنعقدة حاليًا بالعاصمة البحرينية المنامة خلال الفترة من الرابع والعشرين من يونيو وحتى الرابع من يوليو 2018 بمشاركة وفد السلطنة.
وهذا الادراج بمثابة تأكيد من المجتمع الدولي ومنظمة اليونسكو على أهمية هذه المدينة العريقة التي حافظت على مستوى عالٍ من الأصالة.
وأكد حسن بن محمد اللواتي مستشار صاحب السمو السيد وزير التراث والثقافة لشؤون التراث أن هذا الاعتراف الدولي جاء ليعزز المكانة التاريخية للمدينة وللدور المهم الذي لعبته في تاريخ المنطقة إذ تعتبر مدينة قلهات الأثرية أول عاصمة اتخذها مالك بن فهم الأزدي مقرًا له وكانت لاحقًا العاصمة الثانية لمملكة هرمز خلال الفترة بين القرنين الحادي عشر والخامس عشر نظرًا لموقعها الاستراتيجي المهم مما أكسبها أهمية تاريخية بسبب الدور الكبير الذي قامت به في تنشيط الحركة التجارية لمملكة هرمز في الخليج العربي والمحيط الهندي إذ تفوقت خلال تلك الحقبة الزمنية على غيرها من المدن المجاورة.
وأوضح أن هجر المدينة بالكامل بدايات القرن السادس عشر ساهم بشكل أساسي في حفظ أصالة الموقع حيث بقيت جميع عناصر المدينة محفوظة بالكامل وبالتالي فإن المدينة تعتبر نموذجًا مميزًا لعمارة وتخطيط مدن الموانئ التي نشطت في العصور الوسطى.
من جهتها قالت الدكتورة المندوبة الدائمة لسلطنة عمان لدى منظمة اليونسكو إن إدراج موقع مدينة قلهات الأثرية على قائمة التراث العالمي باليونسكو يأتي في إطار المساعي التي تبذلها السلطنة في صون تراثها الثقافي الضارب في جذور الحضارة البشرية”.
وأشادت بالجهود المبذولة من قبل الجهات المعنية بصون التراث الثقافي بنوعيه المادي وغير المادي مضيفة ” أننا نشعر بالارتياح إزاء الدعم الدولي الذي تحظى به ملفات السلطنة لإدراجها على قوائم التراث العالمي”.
وتعتبر مدينة قلهات التي تقع بولاية صور بمحافظة جنوب الشرقية احدى العواصم القديمة لعُمان وتوجد بها آثار مهمة وشواهد بعضها لا يزال باقيًا إلى اليوم أهمها الجامع الكبير وضريح ” بيبي مريم ” وبعض الأبنية الأثرية والسور الخارجي.
وانتهت وزارة التراث والثقافة أخيرا من وضع واعتماد خطة إدارة مدينة قلهات الأثرية التي تهدف الى حماية الموقع والحفاظ عليه واستدامته من خلال الاستثمار السياحي ونشر الوعي المجتمعي بأهمية المدينة الأثرية ومراقبة الموقع لضمان عدم التعدي عليه وتنفيذ القوانين والتشريعات المحلية والدولية المعتمدة لحماية مواقع التراث العالمي.
ويأتي نجاح السلطنة في إدراج مدينة قلهات الأثرية ضمن قائمة اليونسكو بعد نجاحها على مدى ثلاثة عقود في إدراج أربعة مواقع أثرية على القائمة المذكورة وهي: قلعة بهلا (1987م) ، موقع بات والخطم والعين (1988م) ، مواقع أرض اللبان (2000م) ونظام الري بالأفلاج (2006م) الذي يشمل خمسة أفلاج وهي دارس والخطمين والملكي والميسر والجيلة.
وتسعى السلطنة على الدوام للمضي قدمًا في صون تراثها الثقافي بنوعيه المادي وغير المادي من خلال تسجيله لدى اليونسكو والتعريف به.
يقول الدكتور حميد بن سيف النوفلي مدير قطاع دائرة الثقافة باللجنة الوطنية العمانية للتربية والثقافة والعلوم لوكالة الانباء العمانية ” موقع قلهات الأثري يمثل أهمية تاريخية كبيرة لعُمان والمنطقة على حد سواء، وله قيمة استثنائية عالمية حيث كان البوابة الاقتصادية كميناء بحري للتبادل التجاري بين عُمان وحضارات العالم القديم، ويمثل إدراجه في قائمة التراث العالمي اعترافا من دول العالم والمجتمع الدولي بان هذه المدينة تشكل تراثا ثقافيا للإنسانية “.
وأضاف، هذا الادراج توج جهودًا عديدة سبقت في ادارة هذا الموقع واعداد الخطط اللازمة له وصونه والحفاظ عليه وقد عرض الملف على لجنة التراث العالمي في اجتماعها الحالي في المنامة وبفضل الله تعالى كانت كل الملاحظات ايجابية وكل الدول الأعضاء في اللجنة أيدت ادراج هذا الملف ولم توجد معارضة وهذا يدل على أن الموقع قد استوفى المعايير الفنية المطلوبة للإدراج وأن دول العالم تقدر الجهود والسياسات المعتدلة التي تنتهجها السلطنة بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ، أعزه الله .
وأوضح أن مدينة قلهات لها تاريخ طويل وكانت احدى العواصم السياسية لعُمان والمدينة الاقتصادية الثانية بعد صحار باعتبارها ميناءً بحريًا يطل على بحر عُمان والمحيط الهندي ولها خطوط تجارية مع دول آسيا وشرق افريقيا وإيران والعراق مما فتح الباب أمام التبادل التجاري والحضاري مع أمم وشعوب تلك الدول.
وأشار النوفلي الى أن المدينة اتخذها حاكم هرمز العاصمة الثانية لحكمه وقد توفي ودفن فيها ويؤكد هذا وجود شواهد قائمة حتى الآن إذ أقامت له زوجته ” بيبي مريم ” ضريحًا وهو من المعالم الباقية يتميز بزخزفته ونقوشه من الداخل.. كما يوجد بالموقع بقايا لمسجد كبير ولمبنيين صغيرين على شكل أضرحة صغيرة وبقايا من سور المدينة بالإضافة إلى جزء من الحمامات”.
وأشار الى أن الموقع يقع على مساحة كبيرة على شاطىء البحر ويبعد عن العاصمة مسقط 150 كيلومترًا وعن مدينة صور 22 كيلومترًا، وكانت المدينة ملهمة بموقعها كما أنها كانت محطةً مهمة للرحالة والمستكشفين حيث زارها الرحالة ابن بطوطة ووصف أسواقها بأنها كانت تصدر منها الجياد العربية والبهارات وبعض البضائع كما زارها البوكيرك وماركوبولو وغيرهم”.
من جانبه قال سلطان بن علي المقبالي مدير دائرة مواقع التراث العالمي بوزارة التراث والثقافة إن إدراج مدينة قلهات الأثرية على قائمة التراث العالمي يمثل اعترافا دوليا بأهمية المدينة التاريخية وكذلك استيفاؤها لمعايير القيمة الاستثنائية العالمية واحتفاظها بأصالتها التي نجمت عن هجر سكانها لها في بدايات القرن السادس عشر بعد الغزو البرتغالي”.
وأشار الى أنه تم إدراج المدينة على القائمة الوطنية التمهيدية في عام 1988 وبدأ العمل في اعداد الملف عام 2013م حيث تضافرت جهود وزارة التراث والثقافة وجهود بعض الجهات الاخرى من أجل إعداد ملف متكامل لترشيح المدينة لإدراجها على قائمة التراث العالمي لتسليمه لمركز التراث العالمي .
وقد شملت مرحلة إعداد الملف القيام بزيارات ميدانية لبعض المواقع المشابهة وتجميع المصادر والمعلومات التي من شأنها دعم وتقوية ملف الإدراج بالتعاون مع جميع الجهات المعنية مؤكدًا أن كل الجهود ” ولله الحمد ” تكللت بقبول الملف من قبل مركز التراث العالمي بعد تسليمه بداية عام ٢٠١٧م ووضعه لمناقشة إدراجه ضمن أعمال اجتماع لجنة التراث العالمي الحالي بمملكة البحرين والذي أسفر عن إدراجه ليكون الموقع العُماني الخامس على قائمة التراث العالمي”.
وتقع مدينة قلهات التاريخية على مسطح جبلي وهي تأخذ شكل المثلث كما أنها ذات موقع استراتيجي محمي بتضاريس طبيعية ويحدها من الغرب الجبال الشاهقة ومن الجهة الشمالية الشرقية البحر كما يحدها من الجهة الشمالية الغربية الخور و”وادي حلم”.
وفي العام 2003 بدأت الأعمال الأثرية في الموقع فشملت المسوحات والحفريات الأثرية بعض أجزاء المدينة حيث تم المسح الأثري بالتصوير الجوي والرسم شاملا المقبرة الإسلامية الواقعة إلى الجنوب من ضريح بيبي مريم.
وقد توالت أعمال تنظيف وإظهار أسوار المدينة التاريخية وإظهار الطرق والممرات التي تخترق البيوت والمرافق الأخرى التي تحويها المدينة من قبل وزارة التراث والثقافة في 2008 و2009. كما تم إبراز الجدار المواجه للشارع العام والأبراج التي تتخلل بعض أجزائه حيث من الملاحظ أن هذه الجدران بنيت باستخدام الحجارة غير المشذبة وبدون استخدام مادة لاحمة.
ورافقت أعمال المسوحات تنقيبات أثرية عند السور الشمالي الغربي للمدينة على ضفة ” وادي حلم ” اكتشف خلالها بناء شبه مربع تتوزع به أربع غرف حول فناء في الوسط وتوجد في هذه الغرف أحواض متصلة بأنابيب فخارية.
وتبين أن هذه المنشأة ماهي الا مرفق للاستخدام يجلب له الماء من البئر المجاور ويصب في حوض خارج المبنى ومن ثم تنساب المياه الى داخل أنابيب فخارية وبعده الى الحمامات وهي طريقة لم يعرف لها مثيل سابقًا في عُمان.
ويوجد أسفل هذه الحمامات خزانات وربما كانت لها وظيفة لتصريف المياه لاتصال الخزانات بتلك الغرف عن طريق أنابيب فخارية وتكثر في هذه الخزانات آثار الحرق. كما رافقت أعمال المسوحات والحفريات على البر أعمال مسوحات تحت البحر للتحقق من أي آثار غارقة تحت الماء وكانت نتائج المسح مبشرة حيث تم التقاط مؤشرات عديدة تدل على وجود آثار غارقة ربما تكون لسفن او أجزاء خشبية ربما تكون لبقايا سفينة.
كما تم العثور على مجموعة من المراسي الحجرية تحت مياه البحر بالقرب من شاطئ قلهات برهنت على العمق الاستيطاني لموقع مدينة قلهات التاريخية وأهم هذه الأدوات ” مرساة ” عثر عليها عام 1998 م وهي من حجر الكلس ولها ثقب واحد ولا يقل وزنها عن 40 كيلوجرامًا تقريبًا وقد استخدمت هذه النوعية من المراسي خلال الفترة الممتدة بين الألفين الثالثة والأولى قبل الميلاد.