مرافىء | زمانك لا كل الزمان

 بقلم: حمود بن سالم السيابي

مولاتي عمان :
عام جديد يهل وقد اعتدنا ألا نشعر بدخوله من روزنامة الأوقاف، بل نعيشه مع خيولك المعقود على نواصيها الخير وهي تركض في العاديات وتصهل .
وقد جاء العام من دون أن تهز خيولك بحوافرها الأرض، ولا عانق الصهيل السماء.
مولاتي عمان :
عام جديد يهل، من دون ان تشغلنا ككل الأعوام  الميزانيات والارقام، ومن دون أن نخضع معالي درويش إسماعيل لأسئلتنا الملحة عن الترقيات والعلاوات، ولا حاكمنا البنود والوفورات والعجوزات، ولا السحب من احتياطي الأجيال، فما يشغلنا أكبر من كل الميزانيات، وكل الأرقام.
مولاتي عمان :
ما زلت بذات الحلة الباهتة التي خرجت بها إلى المطار في رمضان الذي فات، تودعين أغلى الناس وأشرف الناس، وقد توالت الأعياد والمناسبات، وحل الفطر وجاء الأضحى، وأنت كما أنت تعافين الحلي والكحل والعطر والحناء .
وجاء نوفمبر بزيناته ومسيراته، وتلألأت الأوبرا أضواء وألوانا وموسيقى، ودخلنا العام الجديد، وتبادلنا التهاني والأمنيات، وأنت على سجادتك تتوضأين بدموعك وتقرأين التحيات وتتبتلين وتتهجدين.
مولاتي عمان:
أيتها الصابرة المحتسبة، وأيتها المنتظرة على مرافئ الرجاء وشطآن المواعيد، قريبا بإذن الله ستشرق الشمس، وستكملين صلاتك الطويلة بسجدة شكر، ولكن على السجادة الحمراء هذه المرة، والمفروشة من سلم الطائرة نزوى إلى قلب كل عماني، وما أن ترفعين رأسك إلى السماء، إلا وتكون أرضك غير الأرض، وسماؤك غير السماء، وتكون نخيلك قد استردت خضرتها، وأفلاجك استعادت تدفقها، وخيولك المعذبة قد انطلقت من دون أن تنتظر من يسرجها أو يلبسها  إكسسواراتها الفضية، ومن دون ان تنتظر إذنا من العميد الشهورزي ليرقمها ويبرمج أشواطها فستقطع أعنتها، وستسابق الريح لتبدأ يومها الأول من العام الجديد، مزلزلة بحوافرها الروزنامات والتقاويم، ومؤذنة بصهيلها أروع استهلالات زمانك ولا كل  الزمان .
مولاتي عمان:
إن الجغرافيا واحدة من المتجمد الشمالي إلى المتجمد الجنوبي، واليابسة واحدة من بحر عمان إلى ضفاف القلزم والأسود وإلى شطآن الظلمات، ولكن الإنسان هو الذي يضع بصمته على المكان فيتسامى المكان .
وعبر أربعة وأربعين عاما أضاف سيد عمان مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس المعظم – حفظه الله ورعاه- ما لم ينجز في أربعة وأربعين قرنا، فطاولت سواري إنجازاته الشمس، ولذلك تخير لنا أفضل الأمكنة تحت الشمس لنشع في الإنسانية خيرا وسلاما ونماء.
مولاتي عمان:
سيترك سلطان الإنسانية بيته الجارمشي المجلل مطرا وثلجا وصنوبرا وسنديان، وسيسرج الغيم إلى الغبيراء، والى قصر العلم وبيت البركة والشموخ والحصن وبهجة الأنظار .
وسيروي بعودته عطش النخل وشوق السيوح، وسيلون  أفق الولايات بسيارته الرنج الخضراء المزدانة “بالمطارتين” على مقدمتها “سعن الآباء والأجداد” .
وسيترأس جلسة لبرلماننا المفتوح، وسيتدارس على الطبيعة حاجة القرية والنجع والسهل والبيد للمدرسة والطباشير والمركز الصحي ومشارط الجراحين .
مولاتي عمان:
سيبدأ اليوم الأول للعام الجديد بعودة تاج رأسك، فلا عليك من الروزنامات و( الكلندرات ) والتقاويم، وستهل الأعياد، وستصومين وستنحرين، وستعود الدماليج إلى معصميك، والاقراط إلى اذنيك، وستهزين الأرض بخلاخيلك، وسيستمع ( الحرز المسنسل ) إلى دفء أنفاسك، وستعلقين بين نخلة ونخلة ( مرنجوحة ) وستملأين الدنيا صهيلا وزغاريد .
مولاتي عمان:
لأن الصبر مفتاح الفرج فأبشري بالمفتاح الذي يفتح مغاليق كل الأبواب، ولأنه ما ضاقت إلا فرجت ففالك الطيب سيطوي الأرض ما بين جارمش ومسقط  فستجدين العلم السلطاني بلونيه الأحمر والأخضر مرفوعا على سارية قصر العلم فجأة، ولأنه ما بين غفلة عين وانتباهتها يبدل الله من حال إلى حال، فأبشري بتبدل الحال إلى أفضل حال بمشيئة الذي يبدل ولا يتبدل، فنِعم الله المجيب ونِعم عمان المجابة، فأيامك خضراء، وزمانك ولا كل الزمان.

تعليق واحد

  1. مقال أكثر من رائع
    كعادتك مبدع في كل كتاباتك ولكن الوطنية منها تلمس دواخلنا بطريقة لا يدخلها غيرك
    تجعل طريق الدموع سهلا .. واحساس بالفخر والعزة يملأنا
    فليحفظ ربي عمان وقائدها ويمن عليه بالصحة والعافية

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*