مسقط – العمانية |
استوطن حيوان “المها العربية ” او ما يعرف عند أهل البادية في السلطنة ودول مجلس التعاون الخليجي بـ (بن سولع) براري وسهول السلطنة منذ قدم التاريخ لما وجده في هذه الأماكن من بيئة رعوية وحياه فطرية تتلاءم مع حياته المعيشية وملاذا آمنا للتكاثر.
وفي الفترة ما قبل السبعينيات عمدت فئة من الناس بالذهاب الى البراري موطن (المها العربية) واصطيادها دون رادع او شفقة بالحياة الفطرية لعدم وجود قوانين صارمة تمنع اصطيادها في ذلك الوقت مما أدى في بداية السبعينيات إلى انقرض حيوان (المها العربية) من براري السلطنة وسهولها، ومن حسن الطالع أن المنظمات البيئية الدولية المعنية بصون الحياة الفطرية آنذاك (فاونا آند فلورا انترناشيونال بالمملكة المتحدة) قامت في مطلع الستينيات بإطلاق حملة امساك المها العربية من البراري حيث تنبأت بانقراضها في حالة عدم التدخل وهو ما حصل بالفعل بعد عشر سنوات تقريبا.
ونجحت الحملة العالمية في الإمساك بعدد 4 رؤوس من المها العربية وإرسالها للتكاثر مع القطيع العالمي الذي تم تجميعه من البلدان العربية إلى حديقة بالولايات المتحدة الأمريكية ، وفي الربع الأخير سبعينيات القرن الماضي أمر حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد -حفظه الله ورعاه- بإطلاق مشروع إعادة توطين المها العربية في موطنها الأصلي في براري وصحراء محافظة الوسطى في السلطنة ، حيث وصلت أول دفعة من قطعان المها العربية عام 1980م وكانت جدة الحراسيس (وادي جعلوني ) آنذاك الموقع الذي تم اختياره لمشروع إعادة توطين حيوان المها العربية وإنشاء محمية طبيعية لصونه وقد سميت “بمحمية المها العربية”.
ولا شك ان اختيار موقع المحمية مهمً لما تحتويه من سهول وبراري تتناسب مع طبيعة حياة المها العربية وتكاثرها واعتبارها المنطقة الأصلية والطبيعية لانتشارها في السلطنة، وبعد كل تلك الجهود التي بذلتها الحكومة في هذا الشأن توجت هذه الجهود باعتراف دولي بأن حظيت (محمية الكائنات الحية والفطرية) بمحافظة الوسطى (محمية المها العربية) سابقا بالسلطنة بتسجيلها ضمن قائمة التراث العالمي من قبل منظمة اليونيسكو ، كما أعلنت “محمية المها العربية” حسب مسماها آنذاك عام 1994م كأول محمية طبيعية في السلطنة بعد صدور المرسوم السلطاني رقم 4/94.
وفي حديث لوكالة الأنباء العمانية قال الدكتور منصور بن حمد الجهضمي مدير إدارة الشؤون البيئية والمها العربية بمكتب حفظ البيئة التابع لديوان البلاط السلطاني إن المها العربية حيوان أليف يعيش في براري وصحاري السلطنة منذ قديم الأزمنة ويطلق عليها محليا عدة مسميات منها (ابن سولع) وفي بعض الدول العربية ب (الوضيحي) لكونه ابيض اللون وواضحا للمشاهد من مسافات بعيده وهو من الحيوانات العربية التي عرفها الانسان في شبه الجزيرة العربية وصاغ حولها الاشعار في مجالي الغزل والوصف وتشبهها قصائد الادب العربي القديم بجمال النساء وهي منتشرة لدينا في السلطنة وعدد من دول شبه الجزيرة العربية كاليمن والسعودية والإمارات وقطر كما أن لها تواجداً في مصر والأردن .
وأوضح انه وفي منتصف السبعينيات عندما تمت إعادة توطين المها العربية بمحافظة الوسطى واختيار منطقة جعلوني كمركز لانطلاقة مشروع إعادة التوطين ، تم بناء حظائر وتجهيزها لتأوي هذا الحيوان وفي 1980م أحضرت مجموعة من المها العربية وتم اكثارها لمدة عامين لتتأقلم وتتكاثر وبعد سنتين أطلقت الى براري السلطنة وكانت أول تجربة فريدة لإعادة توطين المها العربية بل لحيوان ثدي على مستوى العالم وهناك منظمات دولية اخذت من التجربة العمانية واستعانت بها في البرامج التي اعدتها لتوطين وصون حيوانات أخرى مهددة بالانقراض .
وأضاف انه فيما يتعلق بجهود مكتب حفظ البيئة لصون مفردات الحياة الفطرية في السلطنة فقد بلغ عدد رؤوس المها العربية حاليا بما يزيد على (600) رأس تعيش ضمن حظائر الإكثار والأسر بـ “ محمية الكائنات الحية والفطرية” مع إعداد خطط لرعايتها وفق برنامج شامل وعناية بيطرية لهذه القطعان خشية اصابتها بأية امراض معضلة مع ضمان استمرارها في صحة جيدة وتهيئتها لتكون صالحة للعيش في براري السلطنة لمرحلة الإطلاق المستقبلية ، وجنى مكتب حفظ البيئة ثمار ما بذله من جهود و ما اعده من برامج هادفة وناجحة حيث تمثل في توالد و تكاثر المها العربية في البراري والصحاري العمانية بعد ان تم إطلاق أول قطيع من المها العربية وتكاثرت أعدادها سنويا بأعداد كبيرة وهي تجوب حرة طليقة في البراري .
وأكد مدير إدارة الشؤون البيئية والمها العربية بمكتب حفظ البيئة التابع لديوان البلاط السلطاني إن المشروع واجهه عدد من التحديات منها، قيام بعض المواطنين بالسلطنة بممارسة الصيد غير المشروع والجائر حيث تعرضت قطعان المها العربية وهي تنتشر في صحاري وبراري السلطنة للصيد الجائر، مما نتج عنه نقص في اعداد هذه الحيوانات الاليفة ، ولمواجهة هذا النقص قام مكتب حفظ البيئة بإحضار اعداد اخرى من المها العربية الى حظائر الاكثار بهدف مضاعفة و تكاثر هذه الحيوان في البراري واعداد برنامج لإكثار المها العربية في الاسر عام 1998م ليكون موازيا للبرنامج السابق و تشديد الرقابة عليها من خلال تعيين مراقبين للحياة البرية يعملون ليل نهار لحراسته خشية تعرضه للصيد غير المشروع ، ولقيت هذه الخطوة نجاحا كبيرا و نتجت عنها زيادة أعداد القطعان .
وأشار إلى أن أهم خطط و أهداف مكتب حفظ البيئة في المستقبل القيام بمرحلة إطلاق المها العربية الاسيرة في ربوع المحمية الكبيرة وإعادتها لطبيعتها في مناطق انتشارها حرة طليقة تعيش آمنة بدون عوائق بشرية ، وأن تكون هناك برامج سياحية لاستقطاب الراغبين من داخل وخارج السلطنة في زيارات استطلاعية دائمة لمحمية المها العربية ومشاهدة الحياة الفطرية داخل السلطنة ، ويوجد حاليا برنامج لمجموعات وأفراد يزورون المحمية بعد حصولهم على تصريح دخول المحمية من المكتب في مسقط ومشاهدة الحياة الفطرية فيها و التعرف على مكوناتها الطبيعية والمناظر الموجودة فيها ، كما ان هناك سياحة بيئية متعلقة بالجانب الجيولوجي بمنطقة “الحقف” شرق المحمية .
جدير بالذكر ان محمية “الكائنات الحية والفطرية” بمحافظة الوسطى تشكل أكبر مساحة من بين المحميات الخمس التي يشرف على إدارتها مكتب حفظ البيئة وهي ( محمية الكائنات الحية والفطرية بمحافظة الوسطى – محمية السرين الطبيعية – محمية رأس الشجر الطبيعية – محمية خور صلالة الطبيعية – ومحمية الخوير الطبيعية) حيث تبلغ مساحة محمية الكائنات الحية والفطرية بمحافظةالوسطى حوالي 2824 كيلو متراً مربعاً ، كما أنها تعنى في المقام الأول بإعادة توطين والحفاظ على حيوان المها العربي ويوجد فيها أنواع مختلفة من الحيوانات البرية كالغزال العربي وغزال الريم والوعل النوبي والثعلب الأحمر والوشق الصحراوي ، وتتميز المحمية بتشكيلات جيولوجية وصخرية نادرة وغطاء نباتي صحراوي وأنشطة بشرية تعيش داخل حدود المحمية.