يكتبه: خلف بن سليمان البحري|
تتمتع سلطنة عُمان بموقع جغرافي مميز، يجمع بين جمال الطبيعة وروعة التاريخ، مما يجعلها وجهة سياحية مثالية على مستوى العالم. فهي ليست فقط منارة للحضارة القديمة التي تعود إلى آلاف السنين، بل هي أيضا وجهة سياحية تمتاز بالحداثة والطموح المتجدد.
عندما نتحدث عن السياحة في عُمان، لا نقتصر على زيارة المعالم الطبيعية المدهشة وحسب، بل نتطرق إلى قطاع حيوي يمكن أن يسهم بشكل كبير في تعزيز الاقتصاد الوطني، وتحقيق التنمية المستدامة التي تسعى لها البلاد في ظل التوجه نحو التنوع الاقتصادي. فمنذ العصور القديمة، كانت عُمان مركزا حضاريا هاما على مستوى المنطقة، حيث تتعدد القلاع والحصون التاريخية التي تروي قصصا من الماضي العريق، مثل القلاع والحصون المتوزعة على مستوى السلطنة.
تلك الآثار ليست مجرد معالم سياحية، بل هي خزائن حية لتاريخ طويل من المقاومة والتطور. وعندما يزور السائح هذه المعالم، فإنه لا يقتصر على مشاهدة المباني، بل يشعر بحضور التاريخ الذي شكل هوية عُمان على مر العصور. إنها تجربة ممتعة تأخذك في رحلة زمنية بين العراقة والحداثة، حيث تتلاقى الجدران القديمة مع حركة الحياة العصرية في تناغم رائع. وفي قلب هذه العراقة، تبرز الطبيعة العمانية التي تنفرد بتنوعها الكبير.
من جبالها الشاهقة إلى وديانها الخضراء، ومن شواطئها الهادئة إلى الصحاري الذهبية، تقدم عُمان للمسافر تجربة طبيعية لا تُنسى. كل زاوية في عُمان تحمل في طياتها جمالاً خاصا، من خلال تضاريسها المتنوعة التي تقدم للسياح فرصة لاكتشاف الطبيعة في أبهى صورها.
لكن السياحة في عُمان لا تقتصر على الجمال الطبيعي فقط، بل هي مصدر رئيسي للدخل الوطني والتوظيف. إن قطاع السياحة هو أحد المحاور الرئيسية لرؤية عُمان 2040، التي تسعى إلى تنويع مصادر الاقتصاد بعيدا عن النفط.
هذا القطاع يوفر العديد من الفرص الاقتصادية التي يمكن أن تسهم في إتاحة الفرص الوظيفية وتعزيز المشاريع الصغيرة والمتوسطة، خصوصا تلك المتعلقة بالحرف اليدوية، مثل صناعة الفضيات والسجاد العماني، وكذلك الفنون والمنتجات المحلية التي تُعد من أبرز المكونات التي تميز عُمان عن غيرها من الوجهات السياحية.
لا تقتصر الفوائد الاقتصادية للسياحة على تنويع الإيرادات فقط، بل تشمل أيضا تعزيز قطاع الخدمات والنقل. فكلما زاد الإقبال على السياحة، زادت الحاجة إلى تحسين البنية الأساسية مثل الطرق، والفنادق، والمرافق العامة، وكذلك خدمات النقل المختلفة.
هذا التوسع في البنية الأساسية لا يساهم فقط في راحة السياح، بل يعزز من قدرة البلاد على استقطاب الزوار من كافة أنحاء العالم. بالإضافة إلى ذلك، فإن تطوير السياحة يُسهم في تعزيز التقنيات الحديثة وتدريب الكوادر العمانية، مما يُساهم في تطوير المهارات المحلية بشكل مباشر.
ومن جانب آخر، لا يمكن تجاهل التأثير الاجتماعي للسياحة في عُمان. إذ أنها تُسهم في تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية الحفاظ على التراث الثقافي والبيئي. زيارة السياح للمواقع التاريخية، مثل القلاع والحصون، تجعل المواطنين يدركون قيمة هذه المعالم ويشعرون بالفخر لانتمائهم إلى هذا الإرث العظيم. كما أن السياحة تساهم في الحفاظ على البيئة، حيث أن تسليط الضوء على جمال الطبيعة العمانية يُحفز على الحفاظ عليها للأجيال القادمة.
ففي ظل تزايد والوعي بأهمية الاستدامة، يمكن لعُمان أن تكون نموذجا يحتذى به في كيفية إدارة الموارد الطبيعية وحمايتها. لكن، على الرغم من الإمكانيات الكبيرة التي يمتلكها قطاع السياحة العماني، لا يزال هناك العديد من التحديات التي يجب التغلب عليها. من بين هذه التحديات، تحسين البنية الأساسية، مثل تطوير وسائل النقل، وتقديم خدمات عالية الجودة تلبي احتياجات السياح.
أيضا، العمل على تحسين الاستراتيجيات التسويقية للوجهات العمانية، سواء من خلال الحملات الترويجية أو عبر استخدام التقنيات الحديثة في التسويق الرقمي. بالإضافة إلى ذلك، فإن تشجيع الشباب العماني على العمل في هذا القطاع من خلال التدريب والتعليم هو أمر بالغ الأهمية لضمان استدامة النجاح. لكي تحقق عُمان هذه الطموحات، يجب أن يكون هناك تعاون مشترك بين مختلف القطاعات؛ حيث يلعب ذلك دورا محوريا في تطوير التشريعات وتوفير الحوافز للمستثمرين، مما يؤدي في تحسين الخدمات وتوسيع نطاق الاستثمار السياحي.
كما انه من الضروري أن يتم إشراك المجتمع المحلي في هذا التطور، بحيث يشعر المواطنون بالمسؤولية تجاه حماية التراث والمساهمة في تقديم أفضل تجربة سياحية.
وفي الختام، فإن السياحة في عُمان ليست مجرد نشاط اقتصادي، بل هي مشروع وطني شامل يساهم في بناء مستقبل أفضل للبلاد. هي طريق للرخاء الاقتصادي، وتطوير المهارات، وحماية التراث، وتعزيز مكانة عُمان على الساحة العالمية.
لكي تصبح عُمان وجهة سياحية رائدة على مستوى العالم، لا بد من أن يكون هناك تعاون من قبل جميع الأطراف المعنية بهذا القطاع، من خلال تحسين البنية الأساسية، وتعزيز التدريب والوعي السياحي، وتقديم تجربة سياحية متكاملة تأخذ بعين الاعتبار الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.