مقال| شانلي أورفا  

يكتبه: حمدان البادي|  

زيارة بعض المدن يأتي بلا تخطيط مسبق وتترك أثرها، تلك المدن التي نزورها صدفة لأننا مررنا بها في طريقنا أو نقصدها لتلبية دعوة وجهت لنا، وهذا ما حدث معي في شانلي أورفا جنوب تركيا وبالقرب من الحدود السورية والعراقية فقد وجدت نفسي هناك لحضور ” مهرجان الخليل” في أحد دوراته السابقة.  

لم أسمع بشانلي أورفا من قبل ولعلي قد سمعت بها ولم ألتفت لها وهي مدينة الأنبياء كما يقال عنها وسبب التسمية لأن مجموعة من الأنبياء مرو بها ، وقد تشكلت مجموعة من القصص التي نسجها أهل أورفا مثل قصة ميلاد سيدنا إبراهيم وحادثة الحرق وقصة صبر النبي أيوب وقصة دموع زليخا وغيرها من القصص ولعل قصة خليل الرحمن التي تشكلت في ” حوض الأسماك” من أشهر القصص فقد اصبح من المزارات المقدسة وهو عبارة عن حوض ماء به نوع واحد من الاسماك وهو المكان الذي أشعل فيها النمرود النيران وأمر بإلقاء نبي الله إبراهيم -عليه السلام – بها” وذلك برميه عبر منجنيق من أعلى الجبل حيث توجد القلعة ولاتزال أعمدة المنجنيق حاضرة لتدعم رواية أهل أورفا وقد تشكلت هذه البحيرة من النار التي تحولت إلى ماء ومن الحطب الذي تحول إلى أسماك ولم يحترق إلا القيد كما تقول بعض الروايات. 

أما زليخا بنت النمرود وعلى مقربة من حوض الأسماك توجد بحيره باسمها -عين زليخا- وقد تشكلت من دموعها التي ذرفتها في تضامنها مع سيدنا إبراهيم -عليه السلام-، وفقا للأسطورة التي يرويها أهل أورفا، أما المزار الآخر فهو مقام سيدنا أيوب -عليه السلام- في القصة التي أشار لها القران وعرفت “بصبر أيوب” واصبحت مثلا بعد أن ابتلاه الله في ماله وجسده ، فقد اصبح مقامه مقصد السياح والبئر التي اغتسل منها أصفى عليه أهل أورفا نوعا من القداسة حتى أعدوه في أهمية ماء زمزم . 

 شانلي أورفا من مدن الأناضول يمر بها نهر الفرات وهي رابع مدينة مقدسة كما يصفها أهل المدينة بعد مكة المكرمة والمدينة المنورة والقدس، والقصص أعلاه جزء من تاريخها الذي تعاقبت عليه حضارات سادت وبادت وتركت أثرا يدل على حضورها، فقد كانت شانلي أورفا وجهة يتصارع عليها الملوك وهي مهد لستة من الأنبياء، وجزء من تفاصيل حياتهم يرويها السكان للسياح جيلا بعد جيل.

 فالمغارة التي ولد بها سيدنا إبراهيم- عليه السلام – أقيم عليها مسجد “خليل الرحمن” في الحقب الزمنية التالية، وكذلك المغارة التي التجأ فيها سيدنا أيوب صابرا محتسبا والبئر الذي أغتسل منه.  

في السنة التالية لتلك الزيارة أتيحت لي زيارة مدينة الخليل بفلسطين والصلاة في المسجد الإبراهيمي حيث يوجد قبر سيدنا إبراهيم -عليه السلام- وزوجاته إلى جانب قبور عدد من أبنائه وزوجاتهما. 

وبشكل شبه سنوي أزور ضريح النبي أيوب في سهل أتين بمدينة صلالة في جنوب سلطنة عُمان حيث يقال أن القبر يعود له. ولعل هذا المقال يقودنا إلى كيف يحتفى بالقصص والأساطير وينسج منها حكايا تروى للسياح ولدينا في ظفار أضرحة لأربعة من الأنبياء كما تقول بعض الروايات، إلى جانب “دحقة ناقة صالح” التي لا يعلم بموقعها عدد كبير من العمانيين.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*