مقال: سيدي بوسعيد

يكتبه: د. حمدان البادي| 

 أكتب هذا المقال من تونس في يوم بارد من أيام إبريل أو “أفريل” كما يطلق عليه التوانسة وتحديدا من مقهى سيدي شبعان في مدينة سيدي بوسعيد، المدينة التي تترك نوافذها مشرعة على حوض البحر وقد طُلِيَت باللون الأزرق وجدرانها باللون الأبيض تعبيراً عن زرقة البحر الأبيض المتوسط التي تطل سيدي بوسعيد عليه في مساحة لا متناهية من المياه الفيروزية التي تداعبها الريح التي تهب في “أفريل” وهي تعزف سيمفونية الحياة وتمنح لسطح البحر التأثير واللون. 

 في مقهى سيدي شبعان واحد من أشهر معالم المدينة، أراقب الناس والبحر وأغزر في هاتفي وقد طلبت قهوة “كحلى” لأخفف بها  طعم “البمبلوني” أو كما أسميها تواير سليمة أو لولاه نسبة إلى لولاه السويق، كنت قد اشتريتها من الزاوية بعد الطلعة وهي واحدة من المخبوزات التي تشتهر بها مدينة سيدي بو سعيد، وقد اتخذ المحل زاوية أشبه بعنق الزجاجة للدخول إلى المدينة حيث لا يمكن للسياح تجاوزها، ويقال إن هذا المحل صامد في بيع هذه الخبزة المدورة منذ ثلاثينيات القرن الماضي.

 تشهد المدينة كرنفالا احتفاليا دائما بعازفي الموسيقى وفناني الشوارع وحركة الأسواق والتذكارات والمطاعم التي أتخذت من السطوح ساحة لإيواء السياح والاستمتاع بمذاق الطعام التونسي، ومدينة سيدي بوسعيد ملهمة الشعراء والفنانين والكتاب ولا عجب إن قال فيها الصديق والشاعر صلاح الغريبي، هذه الابيات حين اصطحبته لزيارتها قبل هذه اللحظة حيث قال: وأنــا بـتـونس تـرتـوي أحـلامي ويُفيق لحنٌ في حروف كلامي حـتـى كــأن الـكون لـيل حـالك وضياؤها صـبح يـزيح ظـلامي، الصورة الأشهر التي يتم يتداولها عن مدينة سيدي بوسعيد بأخذها السياح من أمام مقهى سيدي شبعان بعد أن يقفا طوابير لالتقاط تلك الصورة بأقل عدد من السياح وقد تكون هي سبباً لشهرة المقهى حيث يظهر في خلفية الصور تتوسطه نخلة دجلة النور والمظلات الزرقاء والقبب. 

زرت مدينة سيدي بوسعيد من قبل وكتبت عنها وقلت” إنها مدينة جميلة مثل لوحة فنية رسمت بدقة في سفح التلال باستخدام اللون الأبيض تتخللها النقاط الزرقاء كنوافذ وأبواب تطل منها الورود والزخارف الأندلسية باستخدام المسامير عبر تعابير ورسومات متعددة، لكن أجمل ما زين هذه اللوحة هو اللون الأزرق الفيروزي الذي يحيط بالمدينة من كل الاتجاهات حيث السماء والبحر كانت تعرف بجبل منارة قرطاج وقد رابط فيها العالم أبو سعيد الباجي وطلابه لحماية الحدود البحرية لذا حملت المدينة اسمه.” 

 وبما أنني في مقهى شبعان وانظر للبحر من علو تناولت قاروص مع رشة قاروض سبقته بقطعة من خبز الطابونة التي قمت بتحليتها بزيت زيتون وهريسه وكانت ستكتمل ثلاثية تقارب الاسماء- القارص والقاروض والمقروض – لو قمت بتحلية تلك الوجبة بمقروض قيرواني.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*