مقال| السياحة والتأصيل العملي للهوية العمانية

يكتبه: د. رجب العويسي| 

تشكل السياحة والهوية وجهان لعملة واحدة، وترتبط السياحة ارتباطا وثيقا بالهوية الوطنية، في كونها التجسيد العملي لتطبيق القيم وإنتاج السلوك وقياس كفاءة التصرفات ونضج الممارسات والعادات السياحية، بما تحمله في مفرداتها من معين القيم وكريم الخصال وسمو الاخلاق، وما تجسده من روح التسامح والحوار والوئام والتعايش؛ خيوط ممتدة لكفاءة السياحة وقدرتها على صناعة التغيير وإحداث التحول الشامل في اقتصاد المجتمع وحياة الانسان والانتقال به نحو أرحب الآفاق وأسمى الغايات. 

وتصبح الهويّة الوطنية بذلك مساحة اتصالية آمنة محفزّة لقدرة السياحة على الانطلاقة نحو المستقبل، في ظل احترام الطبيعة، وتقدير الفرص السياحية وتعظيم الميزة التنافسية للمحافظات التي حبا الله بها سلطنة عُمان، وهو أمر التفت إليه قانون السياحة رقم (69/ 2023)، ومنحه حصانة عدم المساس به، وبذلك لا تقف علاقة الهوية الوطنية بالسياحة في سلطنة عُمان عند حد الاستشعار بهذه الفرص والمقومات السياحية؛ بل بالالتزام بأصالة السلوك القيمي والاخلاقي في التعامل مع المفردات والمواقع السياحية المنتشرة في المحافظات باعتبارها ثروة وطنية يجب المحافظة على استدامتها، فيستنطق الموجهات القيمية والأخلاقية، من منابرها الدينية والثقافية والفكرية ويستنهض العزيمة والإرادة الذاتية في ذات المواطن، ما يصنع للسياحة العمانية القوة ، داعما لها بفكره واستثماراته، في بيئة سياحية آمنة، تحترم الانسان وتصون الموارد ، وتحافظ على استدامة هذه الموارد السياحية بما يمنحه لها من قيم الخيرية وفرص التسويق والتطوير والمبادرة السياحية. 

وفي الشأن الخارجي فإن ما تمنحه السياحة من فرص التعرف على عادات الشعوب وثقافاتها ومبادئها، تستجلي في الشخصية العمانية اليوم قيم الإنسانية وأصالة الهوية العمانية، فتوجه مساره، وتضبط ممارساته، وتحفظ له سمته وموقعه الريادي، وتضمن تأثيره وحضوره الإيجابي أينما حلّ وسكن، منطلقا من مسلمات ومبادئ حاكمة، وأخلاقيات عززتها الثقافة العمانية وجسدتها الخصوصية الوطنية. 

أخيرا، يبقى على المواطن العماني اليوم استدراك هذه الثوابت والمرتكزات في تنقله بين بلدان العالم ووجهاته السياحية ، مستحضرا الهوية العمانية كاستحقاق أصيل يرسم خلاله في خريطة المواقع السياحية العالمية، جوهر المبادئ والقيم التي التصقت بالشخصية العمانية كما عرفها العالم، في توازنها وسلامها وتسامحها واحترامها للآخر وتقديرها للمنجز الإنساني الذي يحفظ الود ويحترم التنوع الثقافي فيصنع من التزامه بالهوية فرص نجاح ومحطات قوة تنعكس على قدرة السياحة العمانية على المنافسة وكسب الرهان.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*