ضريح بيبي مريم أبرز آثارها الحاضرة.. قلهات درة خالدة في محافظة جنوب الشرقية 

إدرجت في قائمة التراث العالمي لليونسكو في عام 2018 تأكيدا على أهميتها التاريخية العريقة

تحتوي المدينة على مدن مدفونة في باطن الأرض بعد زلزال مدمر قبل أكثر من 300 عام 

صور – “وجهات”| 

تعد مدينة قلهات التاريخية واحدة من أقدم المدن والموانئ العمانية، حيث تقع في موقع استراتيجي يطل على البحر، مما جعل ميناءها محط جذب للسفن القادمة من مختلف أنحاء العالم، وتعد المدينة نقطة تلاق للثقافات المختلفة ومحطة للتجارة البحرية.

 وكانت قلهات تجذب السفن من الهند واليمن ومناطق أخرى من العالم، كما كانت مركزا لتصدير الخيول العربية إلى الهند. وتشتهر المدينة بتاريخها العريق وموقعها الاستراتيجي كميناء تجاري. وقد وصفها العديد من الرحالة والمستكشفين في مذكراتهم، ناهيك عن الشواهد التاريخية والنقوش والآثار البشرية، وضريح “بيبي مريم” الذي يعد أحد أبرز المعالم الأثرية فيها، حيث يتميز بتصميمه الفريد والقصص الغامضة التي تحيط به.

قام العلماء بدراسة التاريخ الاقتصادي والثقافي والسياسي لقلهات القديمة من خلال المذكرات التي كتبها الرحالة العرب والغربيين الذين زاروا المدينة، بالإضافة إلى دراسة النقوش والحجارة والعناصر البشرية المتبقية.

موقع استثنائي 

وقام الرحالة ماركو بولو بزيارة المدينة في القرن الثالث عشر الميلادي، وأشاد بمينائها الكبير وأهميته كواجهة تجارية، وكتب: “إن المدينة لديها موقع استثنائي وميناؤها كبير وتقدم خدمات بجودة عالية وتستقبل العديد من السفن المحملة بالبضائع، وكانت تستخدم أيضا لتصدير الخيول العربية إلى الهند”. كما زارها الرحالة العربي ابن بطوطة بعد ذلك بخمسين عاما، ووصف جمال المدينة وتصميم مسجدها الإسباني. واكتسبت قلهات أهميتها عبر الملايين من السنين، وأصبح من الصعب معرفة تاريخ نشأتها بالضبط. وهناك احتمالان حول تأسيس المدينة؛ إما أنها تأسست كمركز تجاري نتيجة لازدهار مدينة صور، أو أنها كانت محطة توقف لقبيلة الأزد خلال هجرتهم من اليمن إلى عمان.

وتعرضت المدينة لهزة زلزالية في القرن الخامس عشر، وتم تدمير معظم أجزائها. وتتألف المدينة اليوم من بقايا معالم تاريخية تشمل ضريح بيبي مريم وآثارا أخرى كخزان للمياه وحوض ماء وبعض القبور.

حفظ التراث

تضافرت جهود سلطنة عمان، من خلال مخاطبة منظمة اليونسكو، لإدراج موقع مدينة “قلهات” الأثرية على قائمة التراث العالمي لليونسكو. ويأتي ذلك في إطار التركيز الدائم الذي توليه سلطنة عمان للترويج لتراثها الثقافي والحضاري والإنساني وتسليط الضوء على قيمته الاستثنائية بصفته تراثا ثقافيا عالميا فريدا. ويعد إدراج موقع مدينة قلهات الأثرية في قائمة التراث العالمي لليونسكو في عام 2018، تأكيدا من المجتمع الدولي ومنظمة اليونسكو على أهمية هذه المدينة التاريخية العريقة، والمحافظة على أصالتها على مر العصور.

موقع جغرافي

يعتبر موقع مدينة قلهات استراتيجيا، وتقع المدينة في شمال شرق عمان، على بعد 20 كم شمال صور، حيث تقع على جبل وتأخذ شكل المثلث، وتحظى بموقع استراتيجي محمي بتضاريس طبيعية. وتحيط بها الجبال الشاهقة من الغرب ويحدها البحر من الجهة الشمالية الشرقية والخور ووادي حلم من الجهة الشمالية الغربية. وتعاقبت الشواهد الأثرية في المدينة على مر الزمن، مما أسهم في تنظيف أسوار المدينة وإظهار الطرق والممرات والجدران التي كانت تخترق البيوت والمنشآت الأخرى في المدينة. كما أسفرت أعمال المسح والحفريات عن اكتشاف منشأة مائية تعتبر فريدة من نوعها في التاريخ العماني، حيث يعتقد أنها استخدمت لتصريف الماء من البئر إلى حمامات وأنابيب فخارية، وأثناء المسح، تم العثور على عدد من المراسي الحجرية في قاع البحر بالقرب من شاطئ قلهات، يدل على العمق التاريخي للمدينة الأثرية.

أهمية حيوية

مدينة قلهات هي أقدم مدينة عمانية على الإطلاق وكانت العاصمة الأولى لعمان قبل انتشار الإسلام في المنطقة، وبسبب موقعها الاستراتيجي المطل على البحر، كان ميناء المدينة يجذب السفن من مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك الهند واليمن والسفن العابرة لمضيق هرمز الحيوي.

وكانت المدينة تعتبر نقطة توقف هامة في منطقة المحيط الهندي وكانت ثاني أهم مدينة في مملكة هرمز. وتحيط المدينة، التي تغطي مساحة تزيد على 240,000 متر مربع، الأسوار القوية وتحتوي على منازل ومتاجر، وتم اكتشاف آثار مناطق بعيدة مثل إيران والصين في هذا الموقع.

معالم المدينة

تحتضن المدينة العديد من الآثار والمعالم التي تروي تاريخ المنطقة، بما في ذلك الجامع الكبير وضريح “بيبي مريم”، والقلعة وبرج المدينة، وبعض المباني الأثرية والسور الخارجي. وهناك خطة وضعتها الحكومة تهدف إلى حماية المدينة والحفاظ عليها وضمان استدامتها من خلال التنمية السياحية ونشر الوعي المجتمعي بأهمية المدينة ومراقبة الموقع للحيلولة دون حدوث أية تجاوزات كما ينص على ذلك في القوانين والتشريعات المحلية والدولية المعتمدة في حماية مواقع التراث العالمي.

كما تحتوي مدينة قلهات القديمة على مدن مدفونة في باطن الأرض، حيث تم دفن معظم آثارها ومبانيها القديمة بعد زلزال مدمر قبل 300 عام، وما تبقى من آثارها هو جزء صغير جدا مما كانت تحتويه المدينة ويمكن العثور عليه ودراسته وتوثيقه من خلال الحفريات.

ضريح “بيبي مريم”

يعتبر ضريح بيبي مريم واحدا من أبرز المعالم الأثرية في المدينة، والذي تحكى حوله العديد من القصص والأساطير، ووفقا للقصة التقليدية، يعتقد أن الضريح بني عام 1311 قبل الميلاد من قبل حاكم قلهات لزوجته. ولم يوثق تاريخ بناء الضريح أو هوية البناء، ولكن تصميمه الفريد يجذب الزوار ويحثهم على استكشافه وتجربة حجراته. وتم بناء الضريح باستخدام خليط من الحجر والشعاب المرجانية، مما يجعله فريدا ومصمما وفقا للطبيعة المحيطة به. ويحتوي الضريح على قبور تحت الأرض وقبة تحت الأرض، حيث انهار جزء من القبة بسبب التغيرات المناخية والظواهر الطبيعية. ويميز الموقع أيضا التصميم الأسطواني، الذي يعكس الأسلوب المعماري المعتاد في ذلك العصر.

وتعكس واجهات الضريح تأثير الحضارة الهندية والإيرانية على المنطقة، وتم تصميم الواجهات على شكل أقواس مستوحاة من الطراز المغولي الذي كان يستخدمه الهنود والإيرانيون في ذلك الوقت. وتدل النقوش والزخارف الموجودة على جدران الضريح على مهارات الحرفيين في تلك الفترة واهتمام الحضارة القديمة بالتفاصيل الجمالية.

أنشطة

ترتبط مدينة قلهات التاريخية بالزراعة كنشاط رئيسي للأهالي لتحقيق الاكتفاء الذاتي قديما وتلبية احتياجاتهم، وتشتهر المدينة بزراعة النخيل والخضار والبرسيم. كما يقوم الأهالي بمزاولة أنشطة صيد الأسماك والزراعة ورعي الأغنام، واشتهروا بالفنون التقليدية المختلفة.

واليوم مع هذا الارث التاريخي لمدينة قلها فإن وضع خطة لتحويل المدينة الى مركز إشعاع تراثي وثقافي من خلال العمل على تطويرها وجعلها موقعا سياحيا تبرز تاريخ وحضارة سلطنة عمان بشكل أكبر.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*