مقال| الهريس 

يكتبه: حمدان البادي|

 في الوقت الذي كانت منظمة اليونسكو تعلن عن إدراج الهريس ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي للإنسانية لسلطنة عُمان ودولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، كانت سفارة اليابان في السلطنة تقيم أسبوعاً خاصا بالسوشي وأنواعه كثقافة قادمة من اليابان وسط حضور وإقبال جماهيري كبير في المعرض الذي أقيم في مسقط من منطلق أن الطعام من ثقافة الشعوب وهويتها وسفيرها إلى الناس. 

 وحسب اللجنة الوطنية العمانية للتربية والثقافة والعلوم فإن التراث غير المادي هو مجمل الإبداعات الثقافية التقليدية والشعبية المنبثقة عن جماعة ما والمنقولة عبر التقاليد، مثل اللغات والقصص والحكايات والفنون الشعبية والرياضات التقليدية والأكلات الشعبية والصناعات الحرفية التقليدية، وغيرها، والسلطنة تزخر بالعديد من مفردات هذا الإرث الحي نظراً للثقافة العمانية الأصيلة التي تشكلت وتداخلت بغيرها من الحضارات العالمية.

والهريس واحد من أطباق المطبخ العماني وينتشر في الشمال على وجهه الخصوص وقد تشكل كوجبة من مواد محلية مما تنتج هذه الأرض الطيبة وهو من الأكلات العربية الأصيلة، وجدير بهذا التوثيق وتسجيله ضمن القائمة العمانية في اليونسكو ليشكل جزءا من هوية الطعام العماني وثقافة البلاد إلى جانب ما يزخر به المطبخ العماني من أطباق تتفرد بها سلطنة عُمان وتشتهر بها، كالعرسي، والمضبي، والشواء، والمعاجين والهبشة، واللحم المقدد وغيرها من الأطباق. 

 والهريس هو بمثابة السهل الممتنع الذي يحتاج إلى وقت وصبر ومواد أصلية لأعداده باستخدام حبوب القمح السمراء مع اللحم والسمن البقري ومن ثم أداة الهرس، وقد أكرمه العمانيين وجعلوه طبقا رئيسيا في احتفالاتهم وواحد من الأطباق التي لا تغيب عن مائدة رمضان.

 لذا يجب أن يصاحب هذا التوثيق العمل على نشره وجعله واحد من الأطباق اليومية التي يتم تقديمها في المطاعم العمانية وفق مواصفات تمنحها الطعم والمذاق الأصلي كوجبة تصلح لكل الأوقات والوجبات، وأن يكون حاضرا في تجارب السياح.

 وفي إطار التوثيق أصدر قسم السياحة بجامعة السلطان قابوس ووزارة التراث والسياحة مؤخرا،  كتاب يوثق المطبخ العماني عباره عن دراسة بحثية تتناول 110 وصفة تعتبر من الثقافة العمانية، كان الهريس من بينها. وإذا كنّا في عُمان نستخدم ” نبا من الهريس الملة ” كمثل شعبي حين نفقد الأمل في بعض الأمور، فإن الهريس طبق قديم ولا يعرف على وجه التحديد موطنه لكنه طبق عربي آسيوي، ويقال أنه حضرمي وأيضا عرفته بعض الشعوب غير العربية ونشروه في البلدان التي استقروا فيها وفي العصر العباسي ذكره الشاعر ابن الرومي في إحدى قصائده” أيا هَنتاه هل لك في هريسٍ.. بلُحمانِ النَّواهِض والبطوطِ”، ولا أعرف إن كان يقصد الهريس الذي نعرفه أم هريس آخر، وقديما كانت هناك احتفاليات خاصة بدق حب الهريس وحصاد القمح تدخل جميعها في سياق الموروث الشعبي. 

 وفي الأخير الهريس والعرسية عالمين مختلفان وللاثنين حضورهما في المطبخ العماني كوجبات رئيسية في المناسبات واحد يصنع بالقمح ويتم تحليته بالسمن والسكر والقرفة والآخر يصنع من الأرز ويتم تحليته بالترشة وهي طبخة خاصة تشبه الصالونة.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*