مقال | “الدبلوماسية الرياضية” وسيلة مربحة ومنخفضة التكلفة

يكتبه: بهمن أكبري* 

إشارة إلى الترحيب الحار من الشعب الإيراني بحضور أحد أبرز نجوم كرة القدم إلى في ايران يظهر قوة هذه الرياضة الشعبية في التقريب بين الأمم.
 إن قدرة الرياضة على الحد من التوترات الدولية وزيادة القوة الناعمة لإيران. فمن المهم جدا الانتباه إلى كيف يمكن لنوع معين من التفكير الفلسفي أن يحوّل وسائل الإعلام والرياضة والترفيه إلى أدوات لتخفيف المعاناة الإنسانية وخلق جو من التعاطف مع الآخرين. 
وبالمناسبة، يمكن لكرة القدم أن تخلق الوحدة والتعاطف وتحول الحروب السياسية إلى صداقة، فلقد فقدت الدبلوماسية الرياضية لفترة طويلة. وباعتباري مستشارا ثقافيا في سلطنة عُمان، فقد قمت بكتابة خطة لإعادة السلام وتقليل التوترات في منطقة الخليج الملتهبة باستخدام الدبلوماسية الرياضية، وخاصة كرة القدم. فقد يكون من المثير للاهتمام معرفة أن الآباء الأوائل في كرة القدم في منطقة دول الخليج العربي كانوا مدربين إيرانيين مشهورين. وهذا يعني أن هذه المنطقة عززت من جهود المدربين الإيرانيين منذ ما يقرب من نصف قرن. فإذا كنا أذكياء، فيمكننا الاستفادة من هذه القدرة القيمة جدا. وفي اللغة العلمية يطلق عليه عادة “التنشئة الاجتماعية التربوية” من خلال الرياضة. 

 إن متابعة الجو التربوي الثقافي من خلال الرياضة، يحتاج إلى فكر وبحث ونظرية علمية، ورغم أن الرياضة في حد ذاتها تعتبر مسألة تعليمية في المجال البدني، إلا أنها وجدت أيضا وظائف سياسية واجتماعية وتقنية. وبطبيعة الحال، لم تعد ترى الرياضة إلا في المجال الشخصي والفردي. وعرف تاريخ الدبلوماسية الرياضية أيضا باسم “دبلوماسية البينج بونج”، والتي تشير إلى العلاقة بين الولايات المتحدة والصين، والتي استطاعت تحويل العلاقة المظلمة بين البلدين إلى علاقة إنسانية وثيقة وعاطفية للغاية. 

وكانت لأمريكا علاقات عدائية مع الصين منذ عام 1950، بعد دخول الصين في حرب كوريا الجنوبية وكوريا الشمالية ودعمها لكوريا الشمالية. وعليه، لم تكن لها علاقات سياسية واقتصادية مع هذا البلد حتى عام 1970. في بداية عام 1970، بدأت الولايات المتحدة لعبة تنس الطاولة بين هذا البلد والصين، ونظمت مفاوضات أولية مع دبلوماسي هذا البلد في الصين. وأدت هذه المحادثات أخيرا إلى زيارة الرئيس الأمريكي إلى بكين عام 1972 وبدأت العلاقات الدبلوماسية بين جمهورية الصين الشعبية والولايات المتحدة الأمريكية. وفي السياسة تسمى هذه القضية “دبلوماسية البينج بونج”. 

ومثال آخر على هذه الدبلوماسية هو التواصل بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية في بطولة العالم خارج الاتحاد التي جرت. فعندما كنت مستشارا ثقافيا لإيران في سلطنة عُمان ، فكرت في هذا الموضوع على أنه يجب القيام بشيء ما، على الرغم من أنه كان لدينا مذكرات في الشكل العام، تمت صياغة البرنامج التنفيذي لرياضة إيران وعُمان؛ لكن مشاريع البرامج والمذكرات التنفيذية هذه لم تجد وظائفها الدبلوماسية الرياضية كما ذكرت، فالقضية الأهم هي أننا نعلم أن مدربي كرة القدم في دول الخليج العربي المجاورة، هم إيرانيون. أي أن المدربين الإيرانيين لديهم إيمان كبير بالرياضات الإقليمية، وخاصة كرة القدم. ويشكل وجود رونالدو في طهران، ضمن تشكيلة فريق النصر السعودي، فرصة لتطوير اتصالات أخرى.
 “الجزيرة العربية” دول إسلامية والقوة الاقتصادية الرئيسة في منطقة الخليج. والآن، وبإصرار بن سلمان، يحاول بناء شرق أوسط كبير ومتقدم اقتصادياً بدون نفط وخلق هوية “ثقافية وطنية”.

 وتعد “إيران” أحد أهم أعضاء النظام الجديد في المنطقة، التي أبرمت، بمبادرة من “الصين” والسعودية، ميثاق صداقة وتنمية اقتصادية شامل يتماشى مع “السلم” و”الأمن” و “رفاهية” المنطقة. 
إن وجود قوتين إقليميتين (السعودية والإيرانية) معا يمكن أن يكون علامة على مستقبل مشرق. وللوصول إلى العمق الاستراتيجي، فإن استخدام الدبلوماسية الثقافية، وخاصة “الرياضية”، هو نقطة اتصال ممكنة ومرغوبة، ولها ربح كبير بتكاليف قليلة. وتعد البطولات الرياضية اليوم من علامات الرخاء الاقتصادي واختفاء ركود الأسواق والعزلة العالمية. والأهم من ذلك، وضع حد للفرص الضائعة، وتدمير الموارد البشرية والاقتصادية، والمنافسة غير المثمرة بين إيران والمملكة العربية السعودية على قيادة العالم الإسلامي والنفوذ في الشرق الأوسط. واليوم، علينا أن نشهد أن الطموحات التي تخلقها عقول ولغة السياسيين غير المثقفين تؤدي إلى صداقات في اتجاه إصلاح “القضية الإسلامية”، من خلال البدء في إنهاء المعاناة التي لا تعد ولا تحصى لسكان المنطقة من خلال زراعة “شجرة الصداقة”.
وقررت السعودية بناء مدينة نيوم واستضافة الرياضيين المشهورين من العالم، لأن التنمية الاقتصادية ليست سوى جانب واحد من التنمية، والتنمية الثقافية يمكن أن تسهل الأمن السياسي والسلام الإقليمي. وبوجود الدكتور عبدالله العنزي أحد الشخصيات الفاعلة في الدبلوماسية كسفير للمملكة العربية السعودية في طهران، نتمنى أن نشهد تغييراً في مجال الدبلوماسية الاقتصادية والثقافية. 

وفي الختام، مما لا شك فيه أن منطقة الخليج لديها القدرة على أن تصبح مركزاً مهماً للاقتصاد العالمي، وهي الآن واجهة الشرق الأوسط الجديد الذي يحتوي على العديد من الأقطاب الاقتصادية والمعالم السياحية، ودولة الإمارات العربية المتحدة وقطر من بين سائقي هذه المناطق وإيران لها مركز جغرافي كبير ومهم، والصداقة معها تزيد الروابط الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والرياضة أسهل طريقة للوصل لحل الأزمات السياسية.

*دبلوماسي ثقافي واكاديمي ايراني

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*