بقلم- مانويلا جوتبيرليت
تم تسليط الضوء على آثار الرحلات السياحية البحرية الدولية على أحد أقدم المعالم السياحية في مسقط – سوق مطرح – في اصدار خاص من المجلة الفنلندية الأكاديمية، مجلة فينيا الدولية للجغرافيا “Fennia International Geography Journal”.
وساهمت الباحثة في العلوم السياحية في سلطنة عُمان وطالبة الدكتوراه في تخصص الجغرافيا الثقافية في جامعة آر دبليو تي أتش آخن الألمانية (ألمانيا) ومديرة العلاقات العامة في الجامعة الألمانية للتكنولوجيا في عُمان، مانويلا جوتبيرليت في هذا الإصدار الخاص بمقال حول الرحلات السياحية البحرية. وركّز المقال الذي حمل العنوان “الآثار الاجتماعية – الثقافية للرحلات السياحية البحرية الضخمة على سوق مطرح في سلطنة عُمان” على أهمية المستوى الاجتماعي من القبول والتمكين المحلي لجميع الأطراف ذات الصلة بالتطوير السياحي.
وعلق الدكتور جاركو سارينين (Jarkko Saarinen) من قسم الجغرافيا في جامعة أولو في فنلندا في المقدمة التي كتبها للإصدار الخاص المتعلق بالسياحة والتطوير، “إن السياحة ظاهرة كبيرة ومتنامية على مستوى العالم ولها تأثيرات اجتماعية-ثقافية، واقتصادية وبيئية وسياسية عديدة. وبينما تتسم السياحة بعناصر وأبعاد عديدة، عادة ما يتم النظر اليها من منظور اقتصادي حصرا”.
وركز الدكتور جاركو سارينين، عضو مجلس إدارة الاتحاد الجغرافي العالمي، على أن “السياحة شكل من أشكال الحوكمة المحلية التي تؤثر على سبل العيش المحلية، وطرق الحياة والشبكات الاجتماعية-السياسية والثقافة والسياسة الحيوية والوصول للموارد والبيئة وما إلى ذلك.”
يعد سوق مطرح أحد أهم المعالم السياحية في سلطنة عُمان. ولكن، ومع ازدياد أعداد السياح، على سبيل المثال من خلال الرحلات السياحية البحرية الضخمة، تصبح الآثار الاجتماعية-الثقافية أكثر وضوحا، حيث تصبح هنالك المساحة الكافية لتشكل “فقاعة السائح”.
وصل عام 2015م إلى سلطنة عُمان نحو 146.509 سائحا عن طريق الرحلات السياحية البحرية. وهي زيادة حادة مقارنة بعدد الرحلات السياحية البحرية التي وصلت إلى السلطنة عام 2005م والتي بلغ عددها 25 رحلة سياحية، بعد عام واحد من وصول أول رحلة سياحية بحرية ضخمة إلى مسقط في عام 2004م. نتيجة لذلك، ووفقا لمانويلا فإن “السوق يصبح مكتظا عند وصول رحلة سياحية بحرية ضخمة تحمل أكثر من 1800 سائح وطاقم السفينة إلى الميناء” وأضافت طالبة الدكتوراه مانويلا جوتبيرليت “يبدو وأنه لم يكن من المتوقع ارتفاع اعداد سياح الرحلات السياحية البحرية لهذه الدرجة وأنه كان أمر مفاجئ للمجتمع المحلي”. ووفقا للسكان المحليين في سوق مطرح التي أجرت الباحثة مقابلات معهم فإنه، “لم يتبق مكان داخل السوق لاستيعاب أعداد إضافية من السواح”.
إن الهوية العامة لسوق مطرح في تغيير تدريجي. ويعتبر أفراد المجتمع المحلي السواح القادمين على متن رحلات سياحية بحرية بأنهم ذوي حجم إنفاق منخفض. مثلما قال أحد التجار في مطرح، “فهم يأتون ويقومون بالجولة السياحية ومن ثم يغادرون”. وقد أظهر المسح التي قامت به مانويلا أن 40% من السواح لم ينفقوا أية مبالغ مالية في السوق. حيث أن أغلب السواح لا يشترون المنتجات المحلية، بما في ذلك على سبيل المثال وليس الحصر أوشحة الباشمينا والتي قد تم شراؤها من قبل 43% من السواح، وبطاقات المعايدة وغيرها من الأغراض الصغيرة بما في ذلك القطع الممغنطة وسلاسل تعليق المفاتيح. وقالت مانويلا “أغلب السواح ينظرون ويقومون بالتقاط الصور. وهذا أمر مشابه لما يحدث في مواقع ومعالم سياحية أخرى في جميع أنحاء العالم.” ومع زيادة أعداد السواح في سوق مطرح ومع وجود حجم إنفاق منخفض قام التجار بتغيير نهج البيع المتبع، كما قال أحد السواح لمانويلا خلال مقابلة عقدتها معه، “تعامل البائعون الموجودون على طول الشارع الرئيسي في سوق مطرح بطريقة عدوانية معنا… ولم نكن نريد أي شيء سوى أن نغادر”. ووفقا لمانويلا فإن المتاجر القديمة التي كانت تبيع العطور والأعشاب والبهارات والتي كانت متواجدة في السوق لمدة 150-200 عام قد غادرت مواقعها.
واشتكى السياح أيضا من اكتظاظ المكان. وفقا للبحث الميداني التي قامت به مانويلا في الموقع بين عامي 2012م و2014م ” أكثر من 60% من السواح أكدوا وجود أعداد كبيرة من الأشخاص داخل السوق”. وقد تم المشاركة في المسح الاستبياني باللغة الألمانية من نحو 830 سائح متحدث للغة الألمانية. ومن جانبها قالت مانويلا، “لتجنب الاكتظاظ والازدحام وللتخفيف من حدة الضغط الاجتماعي، يمكن تحديد حدد معين للرحلات السياحية البحرية الضخمة ومراقبة ذلك عن كثب. ويعد هذا جانبا مهما أيضا لضمان سلامة السواح”. علاوة على ذلك، يمكن افتتاح سوق خاص للسواح داخل الميناء للمساعدة في تخفيض الضغوط المتزايدة على سوق مطرح. بالرغم من أن أغلب السواح المتحدثون بالألمانية يرغبون “باكتشاف” الموقع والتنزه به.
مع إعادة تطوير منطقة مطرح في السنوات المقبلة، تعتقد مانويلا أنه على المدى الطويل، “قد يشعر المواطنون بالنفور بشكل متزايد مع تحويل مدينتهم إلى معلم سياحي، والتركيز على احتياجات السواح بدلا من المجتمع المحلي الذي يمتاز بتعدد الأعراق، والمقيمين في المنطقة والذين يأتون إلى سوق مطرح للتسوّق.” وكما ذُكِرَ في الدراسة فإن، “تطوير السوق اعتمادا على الضغوط التجارية بما في ذلك تغيير المنتجات المباعة سوف يؤدي إلى فقدان الإرث التاريخي وهذا أمر يجب تجنبه.”
وتقترح مانويلا، للقيام بالتطوير السياحي بشكل مسؤول، تأسيس “لجنة مطرح السياحية” تحتوي على أعضاء من مختلف الوزارات وممثلين ذكور وممثلات إناث عن المجتمع المحلي. ويمكن لهذه اللجنة وضع مؤشرات تقود عملية التطوير السياحي بشكل مسؤول في سوق مطرح.
وسوف تكون مانويلا جوتبيرليت جزءا من حلقة نقاش حول آثار السياحة وفيما إذا كانت السياحة تساعد أم تعيق نشر الوعي والتفاهم العالمي، والتي سيتم عقدها خلال المؤتمر الجغرافي التالي للاتحاد الجغرافي الدولي في بكين في شهر أغسطس من العام الحالي.
ملاحظة :
قامت مانويلا جوتبيرليت بالبحوث الميدانية بين عامي 2012م و2014م. وقد قامت بمسح للسباح المتحدثين للألمانية وقامت بمقابلة أصحاب المتاجر والباعة والمقيمين حول الرحلات السياحية البحرية.