يكتبه: حمدان بن علي البادي|
أمر بوادي عاهن، بين صحار وينقل، على مجموعة من السكان وقد نصبوا ضواغيهم في مجرى الوادي لاستقبال الصد الذي يأتي مع الأمطار والأودية في احتفالية تعود بهم إلى مرحلة زمنية بقت عالقة في الذاكرة من كثر ما رددها الآباء والأجداد وهم يتلذذون بوصف طعم ومذاق قروص الصد في مرحلة زمنية شحت فيها الموارد واعتمدوا على ما تجود به الطبيعة من جراد وسمك أو كما يسمى صد يجمعونه من بطون الأودية إلى جانب أكلهم نفتة الدبي – الدبور بلونيه الأصفر والأحمر – وأوراق الغاف والسيداف وغيرها من المواد التي تأتي في موسم الخصب والأمطار هذا ما يحدث في الجبال أما على الساحل يضاف لهذا الدوك او بوعوينه وغيرها من الأطعمة التي يراها البعض غريبة ولا تدخل في ثقافتنا المحلية. وبالعودة إلى ضواغي الصد والتي يعرفها سكان الأودية والجبال تأتي اليوم كجزء من الذاكرة وليست عن جوع إنما يتبعون الذاكرة لعلها تعود بهم إلى أزمنة مارسوا فيها الأنشطة مع أحبة لهم رحلوا وبقى الطعم في الذاكرة يعيدون اجترار هذا الموروث مع كل وادٍ يسيل بشيء من الشغف والحب كهواية في تجربة استثنائية كانت حتى وقت قريب وجبة أساسية يتفق عليها الجميع.
يعتقد البعض أن الصد يأتي من السماء حين تسيل الأودية يختبئ بين الصخور ويظهر حين يصفى ماء الوادي يتغذى على ما يوجد في الماء وبحافظ على حجمه وشكله حتى وإن طالت مدة جريان الغيل، يقصده البعض للعلاج عن طريق دغدغة الأقدام وكما يظهر فجأة يختفي فجأة ليعود مع كل وادٍ يسيل.
ولأن الأودية تستقبل السياح هذه الأيام وقد ازدانت بمياه الأمطار الأخيرة فإن عليهم احترام الضواغي إن وجدت، ولا يمنع من تجربة استثنائية عن أكلة استثنائية من خلال اصطياد الصد وعجنه في الطحين ولا يمنع من إضافة القليل من البصل الأخضر أو الأبيض وذلك قبل خبزه على “الطوبي” بنفس الطريقة التي يتم بها خبز الطحين لتقديم طبق من الطبيعة طازج وصحي.
شخصيا لم أجربها على الرغم من إن بعض الجيران يحضرونها لنا بين الحين والآخر، وأعتقد بمجرد أن أفكر فيها استبعد إمكانية أكلها فقد كانت لي تجربة غير ناجحة تصادفت مع وجودي في مدينة برايتون البريطانية قبل سنوات وحتى ابتعد عن الحلال والحرام طلبت بيتزا تناسب النباتيين وبالرغم من حرصي على قراءة المكونات إلا أن كلمة واحدة وردت في المكونات وهي الانشوجة Anchovies لم أستطع فهمها ومع ذلك واصلت الطلب لأكتشف إنها قطع صغير من الأسماك تشبه الصد لم يرق لي طعمها وقد حاولت أن اتخيلها كحبة قاشع حتى أخدع العقل ولا أخسر ثمن الوجبة.
لهذا يجب ألا نستغرب من بعض الآسيويين وهم يأكلون القوارص والحشرات والثعابين والصراصير وكل شيء يدب على الأرض “فالشعوب في ما تعشق مذاهب” وبعض هذه المذاهب أصبحت تشكل ثقافتهم ويقدمونها للسياح على إنها جزء من عاداتهم وتقاليدهم وموروثهم، لهذا يحتاج لنا نجرب قرص الصد مثل ما أكلنا دود الدبي أو الدبور وتقرمشنا بالجراد فهي جزء من ثقافتنا وخاصة سكان الجبال وبطون الأودية.