مقال| قيظنا فـ “بيتنا”

  
يكتبه: حمدان بن علي البادي |  

كنا نأخذ مما يتوفر من أغراض البيت ونختلس الوقت بعد منتصف النهار بعيداً عن عيون الأهل لنخرج في رحلة تحت أقرب سمرة للبيت، رحلة نملؤها بالتفاصيل ونعيش فيها عوالمنا الخاصة وقبل أن تنتهي نأكل ما أحضرناه من “مينو” و”فراّخ” و”شكليت” ورغم بساطة الفكرة إلا إن تلك اللحظات لا تزال عالقةً في الذاكرة. أو نعيد تشكيل ” البرنوص” على شكل خيمة ونقيم فيها مخيمنا المؤقت إلى أن يحين الليل ونقضي ليالي الصيف فوق “المنامة” ونحن نراقب حركة النجوم ونقاوم حركة البعوض الذي يحاول أن يخترق الناموسية لينال من أجسادنا ونحن نستمع إلى الحكاية نضحك ونتأثر ونعيش تفاصيل الشخصيات لحكاية سمعناها مئات المرات .  تفاصيل عالقة في الذاكرة تعود لزمن ما قبل الفضائيات والإنترنت، تفاصيل توشوش في ذهني وأنا في طور التخطيط والبحث عن مساحة استثنائية امنحها لنفسي في هذا الصيف برفقة من أحب وبالإمكانيات المتوفرة في الظروف الراهنة ومن دون أن نكسر الاحتياطات الاحترازية لوباء كورونا. مساحة نعيد فيها تجديد الروح والنشاط وتعيدنا إلى سيرتنا الأولى بعيداً عن الروتين الذي اعتدنا عليه والحجر المنزلي المتقطع الذي لازمنا لأكثر من عام ونصف قضيناه ونحن نقاوم كورونا وتداعياته ونحتاط لأمره ونعيش على أمل أن يختفي وتعود الحياة إلى سابق عهدها.  

 في ظل الظروف الراهنة ودرجات الحرارة العالية ورائحة الموت التي تحيط بنا من كل مكان وكورونا يواصل شراسته ويفتك بضحاياه أعتقد من المهم أن نلزم بيوتنا وأن نصنع اللحظات الاستثنائية في حدود البيت أو ما جاوره من أماكن وأن نتجنب الأماكن التي اعتدنا أن نرتادها في كل صيف كشواطىء الشرقية وخريف ظفار وقمم الجبال في داخلية عُمان وأن نكون أكثر حذراً من المجمعات التجارية التي نجد فيها البراد والألعاب والسوق والسينما والمطاعم، علينا أن نبحث عن الحلول المتوفرة في محيط البيت لأن اللحظات الاستثنائية نحن من نصنعها ونملؤها بالتفاصيل التي تفرح القلب وتنعش العقل ليحتفظ بها في الذاكرة ويعيد اجترارها كلما احتجنا لفسحة من الراحة في زحمة الوقت ونعود لتلك اللحظات لشحذ الهمم والطاقات. 

قد نكون أكثر حظاً نحن سكان “البلدان” ولدينا مساحة ومتنفس يحسدنا عليه سكان المدن وقد تكون فسحتنا ببساطة رحلات الطفولة كجلسة سمر على خبز وجبن وبطاطس في حوش البيت لحظة نعيشها بإحساس كأننا في رحلة هذا إن لم نتمكن من أن نفضي يوماً في المزرعة أو نخيّم في “السيح” نراقب القمر لعلنا نصبح شعراء، أو نذهب في نزهة إلى أحد الأودية المجهولة في الجبال التي لا يعرفها إلا نحن وفي كل الأحوال سنملأ تلك اللحظات بالتفاصيل والأكل والتصوير والأهم من كل ذلك أننا سنتجنب ارتياد الأماكن المزدحمة. 

وسلاماً للناس المشغولة بالقيظ والجداد والتبسيل هؤلاء  صيفهم استثنائي وياحظهم والله يعين اللي مسافرين ويصبرهم على تعب السفر والمطارات وفحوصات PCR.  

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*