د. رجب بن علي العويسي |
ترتبط السياحة بالإنسان أيما ارتباط؛ ذلك أن الغاية منها، الإنسان نفسه، بإضفاء المتعة والمرح له، ولا يتحقق هذا المعنى بمجرد وجود البيئات السياحية الطبيعية والتراثية، والمرافق والخدمات ومراكز التسوق (المولات)، بل عبر إضفاء البعد الإنساني في هذه البيئات، بما يضاف إليها من اخلاقيات الإنسان، وسلوك الإنسانية التي تتيح فرص التعامل معها وفق القواعد والمعايير والأسس المنظمة لها.
وكلما قوي الهاجس الإنساني نحو السياحة، وأدرك حس الشعور الذاتي والضمير الحي لدى المسؤول الحكومي ورجل الأعمال والقطاع الخاص والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ومتخذي القرار، والمواطن على حد سواء، بأن السياحة ضرورة إنسانية، وأولوية مجتمعية، والتزام وطني واخلاقي؛ كلما اتجه بكل إخلاص نحو تطويرها، وسعى لتبسيط الإجراءات من أجل تنشيطها وتحسينها، عبر سياسات حكومية ناضجة، وتوجهات سياحية مؤسسية راقية، واهتمام نوعي بالمشروعات السياحية المنتجة، المتناغمة مع الواقع الوطني، والمنسجمة مع اهتمامات المواطن وهواجسه، والمحققة لرؤية عمان 2040، أو عبر المبادرات السياحية والتزام السلوك السياحي الرشيد، والمحافظة على أخلاقيات المواطن السياحية، وتنازلاته من أجل سياحة داخلية كفؤة.
إن مدخل الإنسانية هو المعيار الذي يضمن الوصول إلى منتج سياحي قادر على التعايش مع الواقع، ويجد مساحة من القبول والاعتراف به من المجتمع، وهو الأمر الذي يجب أن يتولد عند بناء استراتيجيات التطوير السياحي، وتعزيز حزمة المبادرات والحوافز السياحية، بحيث تتجه إنسانية السياحة إلى الاستدامة في المنتج، والكفاءة والنوعية في المنجز والمشروع السياحي، كما تعتمد على تعزيز مفهوم أعمق للحقوق والواجبات والمسؤوليات سواء ما يتعلق منها بحق الذوق العام واحترام قيم المجتمع وخصوصيته وهويته وتقاليده، أو رفع جودة الخدمة السياحية، وتبسيط الإجراءات، وإضافة المزيد من الخيارات وفرص التمكين السياحي.
أخيراً فنحن بحاجة إلى أن نضيف لسياحتنا روح الإنسانية وأخلاقها، لتبدوا في ثوبها الجميل، سلاماً وأمانا، وسكينة وطمأنينة، فإن تغييب السياحة من انسانيتها، وتجريدها من كل المعاني التي تحفظ الود وخيوط الالتقاء مع الإنسان، وتتعايش مع رغباته، وتتفاعل مع معطيات واقعه، أدت إلى فجوة التطوير السياحي، واتساع مساحة الهدر والفاقد في المنجز السياحي الوطني.