بقلم: أ. جوخة الشماخي |
نحتاج إلى التغيير أحياناً، نحتاج إلى الابتعاد عن الروتين والمألوف؛ كي نجدد حياتنا، وننعش أرواحنا، ونخرج من إطار الصورة المغلق، ونلتقط صورة أخرى من زاوية مختلفة، وربما بمقاسات مختلفة أيضا، لذا قررت أسرتي الكبيرة، حفظها الله، أن تقضي أيام عيد الأضحى من صيف 2019م في ربوع محافظة ظفار، سلفاً توقعنا أنها ستكون تجربة متفرّدة من نوعها، وبالفعل جاءت كما توقعناها، ولا تزال تفاصيلها حاضرة في أذهاننا، فحين نجتمع معاً، نسترجعها بكل سعادة وحب.
المسافة بين ولاية عبري ومحافظة ظفار، تصل إلى ما يقرب من تسع ساعات، قد تزيد عن ذلك بسبب التوقف؛ من أجل فترات الراحة وتعبئة الوقود، ولكنّ كل شيء يهون أمام شعور اللحظة الأولى، حين تطأ قدماك بداية الجبل، ساعتها تشعر أنك انتقلت إلى حالة طقس استثنائية، تجد نفسك تحت سماء ترحب بك ترحيبا خاصا، فهي تدغدغ وجهك بحباتٍ من رذاذها، والأرض تحتك مبللة بالمياه، وعلى مدّ بصرك تبصر بساطاً أخضر من الحشائش والأشجار، التي اكتست خُضرة غامقة تميل إلى السواد؛ لكثرة هطول الأمطار عليها، ترجّلت السيارات عند هذا المشهد، صعد الجميع إلى الجبل، يمشون، ويلتقطون الصور، ويحيّون ظفار بصرخاتٍ وعباراتٍ مختلفة، أما عني مباشرة بدأت أكتب أول بدايات شعوري، إنه شعور الوهلة الأولى الممتزجة بالدهشة، أتذكر أنني اخترت صورا لتلك اللحظات، واطلقت منشوراً أودعته مدونتي، في وسائل التواصل الاجتماعي.
واصلت سياراتنا المسير، حتى وصلنا إلى الشقق التي حجزناها، بدأنا فعاليات أيام العيد التي اصطبغت بصبغة ظفارية، بالتأكيد كنا نقضي معظم الوقت في السهول والجبال، وكل يوم في مكان مختلف، أكثر الأماكن التي شدت انتباهي منطقة “افتلقوت”، في الحقيقة أول مرة أزور هذه المنطقة، مع أنني زرت خريف ظفار كثيرا، وصلنا إليها من الطريق المؤدي إلى شاطئ المغسيل، لم أنتظر حتى يتفق أفراد عائلتي على المكان الذي سيقضون وقتهم فيه، نزلت من السيارة وابتعدت؛ لأحظى بخلوة خاصة مع نفسي في ذلك السهل الأخضر الممتدّ، أخذت أتنفس بعمق، بين شهيق وزفير، وابتسم للطبيعة لوحدي، أقول في نفسي لو رآني أحدهم لربما قال إن هذا نوع من الجنون، بعدها ناديت أولادي لالتقاط الصور.بعد أن اكتمل وصول الأسر جميعها، وبعد تبادل الآراء على المكان الذي سنقيم فيه، اختاروا مكانا جبليا مرتفعا يطل على البحر، البحر الذي هو قصة أخرى من الجمال، وجدنا أنفسنا وسط مفرداتٍ جماليةِ طبيعةٍ، تُحيط بنا من كل مكان، سهل وبحر وجبال وأمطار وغيوم، وجوّ معتدل الحرارة، ماذا تحتاج النفس أكثر من ذلك ؟!.
بما أننا في أيام عيد الأضحي، أكثر ما ميّز مائدتنا هو اللحم، كعادة العمانيين في العيدين، وبما أننا في ظفار، فقد اشترينا الذبائح الظفارية الطازجة، وقمنا بعمل أصنافٍ من أكلات العيد، أبرزها التقلية، والمشاكيك، والقبولي، إضافة إلى الحلوى العُمانية، والفواكه، والحلويات المختلفة، وتوزيعات العيد للأطفال، التي أخذناها معنا من عبري.
جلَّ الخالق الذي أبدع وصوّر هذا المكان، افتلقوت فرصة ثريّة للمصورين والرسامين وعشّاق الطبيعة، أما حين تقرر أن تنزل من الجبل إلى البحر، فعليك أن تمتلك روح المغامرة، وتكون حذرًا، غبطتُ من كانت عندهم الجرأة، وقاموا بذلك بكل حماس، أما عني فقد اكتفيت بالنظر إليهم، كم كانوا فرحين ومستمتعين بهذا الإنجاز. السماء كانت سخيّة معنا، فقد استمرت في مداعبتنا، بمطرها حينا، ورذاذها اللطيف حينا آخر بقينا في افتلقوت حتى وقت المغرب، لملمنا أغراضنا، وركبنا سياراتنا، وكأننا في قافلة سير منظمة.
ستبقى افتلقوت ذكرى لا تُنسى، حين تسنح لي الفرصة لزيارة خريف ظفار مجدداً، سأكرر زيارتي لها بمشيئة الله.