بقلم: هلال السبتي | السعادة هي مبتغى الجميع يُبحث عنها بشتى الطرق من أجل الحصول عليها في الدنيا والآخرة، فالكل يبحث عن وسائل السعادة، لذا نجدها في مختلف الأديان من خلال الدعوة إلى الطمأنينة والسكون والراحة وعدم القلق من متقلبات الحياة وصعوباتها، والرضا بما قسمه الله تعالى على عباده. فعلى سبيل المثال خلال رحلتي إلى النيبال والتي يعتنق أغلب سكانها الديانتين الهندوسية والبوذية ويكثر فيها مراكز التأمل في مرتفعات الجبال البعيدة عن صخب الدنيا، وقد زرت فيها مركز للتأمل والشفاء لرجل يدعى ” أوشوا ” واكتشفت بأن التأمل هو علم متأصل في الديانة البوذية وأيضا يدعو إلى الاسترخاء والهدوء والسكينة والبعد عن ملهيات الحياة وصخبها.
أتذكر اليوم عندما افتتحت نشاط مكتب للسفر والسياحة والبدء في تنظيم الرحلات الخارجية، كنت أسأل نفسي ما هو الهدف من السياحة لمحبي السفر والترحال؟. وكوني من محبي السفر فقد كنت اتأمل عن ماهية السياحة كمفهوم أعمق وغير اعتيادي؛ مفهوم يتعدى عن شراء التذكرة وتحديد الوجهة السياحية ومن ثم زيارة المواقع السياحة والتاريخية والتراثية، حيث أنني أرى في السياحة شكل آخر هو السعادة، ولكن ليس السعادة اللحظية خلال الرحلة وإنما السعادة التي تصاحبك حتى بعد الرجوع إلى أرض الوطن، فالبعض لا يفقهون شيئاً من السياحة حتى مفهومها الاعتيادي وإنما يرون أنها عمل قاموا به وانتهى حتى لا يجدوا به لذة ولا تغيير ولا تعلم معرفة ولا اكتساب مهارة. فالسياحة هي التي يصاحبها تغيير في الشخص نفسه من خلال اكتساب معرفة أو التعرف على اشخاص جدد أو تعلم مهارة أو اكتشاف طبيعة أو ممارسة رياضة أو مغامرة أو متعة الرحلة ذاتها من المطار إلى المطار، كما قال الشافعي في أبياته التي حفرت في ذاكرتنا ” تغرب عن الأوطان في طلب العلى وسافر ففي الأسفار خمس فوائد تفريج هم واكتساب معيشة وعلم وآداب وصحبة ماجد”.
السياحة أصبحت من الأساسيات وليس الكماليات في وقتنا هذا من أجل الخروج من الواقع وضغوظات الحياة والعمل، فهي تحفز في أجسادنا هرمون الأدرينالين والمعروف بـ”هرومون السعادة”. فالسعادة مطلب والحصول عليها يتطلب اتقان مهارات السياحة وممارستها بشكل صحي بعيدا عن اللهو الزائد أو الانغماس في الشهوات التي لا فائدة منها، وإنما الحصول على تلك التجربة الفريدة التي تصقل ذواتنا.
ومن خلال رحلاتي مع الأصدقاء العمانيين من مناطق السلطنة المختلفة، تعلمت منهم الكثير، والجميل في الأمر أنه وفي كل الرحلات التي نظمتها تجد فيهم المثقف والرياضي والكاتب والأديب والواعظ ورائد العمل والمصور، جميعهم ألهموني بأن السياحة تعطي حياة أخرى، حياة تدفعنا إلى تغيير مفاهيمنا إلى الأفضل.
وفي النهاية نقول أن السياحة مذهب السعادة ولها أحكامها وقوانينها ومعتقداتها، ويجب علينا تعلمها من أجل التغيير إلى الأفضل في حياتنا وسلوكنا، أحكامها هي الاستعداد النفسي لخوض تجربة جديدة، وقوانينها الالتزام واحترام الآخرين والثروات الطبيعية التي منّ الله علينا بها، وعقيدتها تطوير الذات وتنميتها وتوسيع آفاق المعرفة والتجارب. “جرب ولاحظ وكّوِن فكرة واستمتع بها طوال حياتك واجعل من السياحة بعداً آخر خاص بك”.