مسقط – العمانية |
اعلنت البروفيسورة اليسندار افزيني رئيسة البعثة الايطالية لجامعة بيزا العاملة في السلطنة عن اكتشافات جديدة في متنزه حصن سلّوت الأثري .
وقالت في مؤتمر صحفي عقدته صباح اليوم ان الحفريات الأثرية الأخيرة دلت على ان موقع سلوت هو موقع لمدينة كبيرة جدا اكبر مما كان يعتقد سابقا كما تم العثور على ادلة تؤكد عراقة سلّوت وأصالتها كونها قلب حضارة مجان في عمان التاريخية.
كما أكدت افزيني على وجود تواصل حضاري بين سلّوت وحضارات العالم القديم في الألفية الثالثة قبل الميلاد حيث تم العثور على ادلة للتواصل الحضاري مع حضارات العالم القديم مثل حضارة وادي الأندوس، وبلاد فارس، وبلاد الرافدين.
وقالت انه بعد الكشف عن الجدار الصخري الضخم الذي يرجع إلى فترة العصر الحديدي و الذي كان جزءاً من مستوطنة ضخمة “مدينة سلوت القديمة” بنهاية عام 2015م، وبفضل أعمال الحفريات اتضحت معالم المدينة بشكل أكبر فقد عُثر على عدد من المباني منها ما يزيد عن غرفتين تفصل بينها الشوارع الضيقة، كما تم بناء مصاطب صخرية في محيط الهضبة بأسرها. وهذه هي أهم الاكتشافات التي تمت خلال الحفريات الأخيرة.
واوضحت ان تم بناء المدينة على الهضبة الصخرية، والسهل المحيط بها، مُشكلةً مجموعة من المصاطب الحجرية الضخمة والمنازل ونظام تصريف مياه الأمطار، الذي تم تخطيطه على نمط معماري يدلل على عبقرية الإنسان العماني القديم. وقد كشفت إحدى الحفر الاختبارية في أكبر المصاطب في المدينة عن وجود تربة محفورة، وبالتالي ربما كانت مؤشر على زراعة الأراضي. حيث قام العمانيون القدماء بتشكيلها عن طريق بناء
الجدران المحيطة ثم إعادة حشوها بالتربة للوصول إلى سطح مستوٍ. ولا تزال الحفريات مستمرة في مصطبة ضخمة بنيت على السفح، وعثر فيها على ما يمكن تسميته بالصهريج الكبير أو البئر، ووصلت الحفريات حتى الآن إلى عمق أكثر من 8 أمتار.
كما اشارت الى وجود عدة عناصر (كالتخطيط الواسع للمستوطنة، وانتظام المباني، والشبكة الداخلية للممرات والشوارع، ونظام تصريف مياه الأمطار، ووجود الأماكن المحصنة، واحتمالية وجود المباني التخصصية) مما يؤشر إلى وجود مشروع تخطيط متطور في قاعدة بناء المستوطنات. وهذا النظام الرائع للتخطيط، يدل على أن سلّوت كانت مركزا متحضرا.
وقالت : كشفت الأدلة والمعثورات الأثرية في مدينة سلّوت على وجود مبان ومناطق تخصصية ارتبطت بالحرف والممارسات اليومية لسكان المدينة. منها منطقة تحتوي على حفر الأفران التي كانت على الأرجح تستخدم في صناعة النحاس، واكتشاف جرتين فخاريتين تحتويان على ما مجموعُه 36 كيلوجراما من بقايا النحاس والسبائك (سبائك، وقطع مكسورة، وقطع ذائبة) في أحدى الغرف، مما دل على أهمية هذه الأنشطة في الموقع. كما يشير العثور على جرتين ضخمتين في أحد الغرف على أن الغرفة كانت تستخدم للتخزين، كما تدل الأعداد الكبيرة للفخار أن الموقع لابد وأن يحتوي على مكان مخصص لصناعة الفخار.
البروفيسورة اليسندار افزيني التي ترأس البعثة الايطالية التابعة لجامعة بيزا اشارت ايضا الى ان الحفريات الأخيرة في محيط المدينة ادت إلى الكشف عن مجمع للمدافن. حيث تم التنقيب في 30 مدفناً تعرضت جميعها إلى أعمال النهب والتخريب في ازمنة غابرة ، وقد تم بناء أحد المدافن على أساسات حجرية تعود إلى فترات أقدم. واحتوت هذه المدافن على معثورات أثرية ارتبطت بمظاهر الترف والبذخ كأواني الشرب البرونزية، أهمها الاناء ذو المصب على شكل الحصان، وإناء آخر على شكل حيوان هجين بوجه بشري، بالإضافة إلى الزمزميات وجرار التخزين، والأواني النحاسية، والأواني الزجاجية الرومانية، ومجموعة كبيرة من السيوف ورؤوس السهام والحراب الحديدية والبرونزية، وهو ما يدل على أنها مدافن مخصصة للمحاربين ارتبطت بمعركة حربية على مايبدو.
وقالت: تؤكد المعثورات في هذه المدافن الجديدة على وجود تواصل حضاري بين سلّوت وحضارات العالم القديم، كحضارة بلاد الرافدين، وبلاد فارس، واليمن، والامبراطورية الرومانية.
كما اوضحت انه تم الكشف عن مجموعة من المدافن البرجية على المرتفعات المحيطة بمدينة سلّوت الأثرية وبأشكال مختلفة، كما تم الانتهاء من ترميم عدد منها للحصول على فهم أكبر حول أصول المواد التي تحتويها وعرضها للمختصين وغير المختصين.
وخلصت افزيني في ختام المؤتمر الى ان استمرار الاكتشافات الأثرية في سلّوت تؤكد على ثراء تراثها الثقافي الذي يعود لعصور مبكرة من الحضارة الإنسانية، كما يوحي الموقع الأثري في سلّوت بُعد الزمان وقوة وطاقة وإرادة الانسان العماني منذ تلك العصور في بناء الأنظمة الحضارية.
من جانبه، قال وليد بن سلطان المزيني مدير متنزه سلوت الاثري : انه كل يوم يتم اكتشاف شئ جديد يوضح كيف كانت مدينة سلوت في السابق . وما تم اكتشافه مؤخرا كان مثيرا للغاية حيث كان يعتقد ان مدينة سلوت تعود الى العصر الحديدي الا ان النتائج الحديثة وعن طريق تأريخ عينة الكربون المشع (C14) وأظهرت دليلاً على التاريخ العريق لمدينة سلوت؛ يعود إلى النصف الأول من الألفية الثانية قبل الميلاد اي (العصر البرونزي الوسيط).
كما اشار المزيني الى ان المعثورات الجديدة بينت ايضا ان الاستيطان في سلوت لم ينته في القرن الاول الميلادي كما كان يعتقد سابقا انما امتد الى حقب لاحقة . واوضح المزيني ايضا ان مكتب مستشار جلالة السلطان للشؤون الثقافية يعمل حاليا على تطوير هذا الموقع ليكون متنزها اثريا متكاملا من جميع العناصر سواء الاثرية او الاضافات الاخرى التي تساعد على ان يكون هذا المكان مقصدا للزوار العمانيين و السياح الاجانب وقد تم البدء بالفعل بانشاء مزرعة عمانية تقليدية تم فيها زراعة مايقارب من 300 نخله من الانواع العمانية كما ان هناك دراسه لعرض المكتشافات في مقر المتنزه .
واشار الى ان هناك تزايدا كبيرا في اعداد زوار المتنزه خاصة من العمانيين مما يدل على اهتمام الكبير بالتعرف على الارث التاريخي لبلدهم .
جدير بالذكر ان أعمال الحفريات والتنقيب في متنزه حصن سلّوت الأثري بدات منذ عام 2004م تحت اشراف مكتب مستشار جلالة السلطان للشؤون الثقافية بالتعاون مع البعثة الأثرية الإيطالية من جامعة بيزا.