جريدة وجهات أول جريدة عمانية مختصه بالسفر و السياحة
بقلم: حمود بن سالم السيابي | لسنا ربيًع من خطف ولا غويز من رده، ولم تكن بنادقنا يوما للإعارة ولا جنودنا كانوا يوما للإيجار ونحن لا نقاد للحروب بطبلة، ولا نفر من ساحات الوغى بصفارة حكم المباراة. وما بين عمان واليمن السعيد قحطان ومأرب والأزد، وخناجر الشهامة التي لا تفارقنا حتى ونحن نصلي، وعمائم العرب التي لا نخلعها إلا عند مسح الرؤوس للوضوء.
وحين رفع الشطر الجنوبي من اليمن المطرقة والنجمة الحمراء والمنجل، وجاء إلى شوامخنا ومعه الكاتيوشا وسكود وصواريخ سام والكتب والمسمومة، فوجىء أن صهاريج عدن في “كريتر” والمعمدة جنا وعماليقا وأساطيرا قد تتصدع كما تصدع مأرب، بينما سدودنا المظفورة إرادات وعزائم لا تتصدع، وحين اختبرنا عسكريا كتبنا ببنادقنا النهاية غير السعيدة لأطماع الكرملين، واجتثثنا أحلام، ماو وخروتشوف وبريجنيف، ورسمنا الحدود على قاعدة لا ضرر ولا ضرار. وكان يمكن للحرب على الحوثيين أن توفر لنا فرص الثأر للشهداء الذي وشحوا جبالنا عنفوانا وكبرياء، وغزلوا شوامخنا أكاليل غار، وقصائد إنتصار . ولكننا بقرارنا السيادي المستقل رفضنا المشاركة في حرب عبثية، فإنتهاز الفرص ليس من شيمنا، وتصفية الحسابات التاريخية ليست من طبيعتنا، والثارات المؤجلة ليست على أجندات العسكرية العمانية ماضيا وحاضرا ومستقبلا. وعمان لا تتحرك إلا ضمن رؤية شاملة تضع مصلحة الأمة عنوانا لحديث السلاح، فالحرب ليست عزومة على صينية مندي في حضرموت، أو برمة سلتة في ذمار، والدم الذي سيراق دم أبرياء لا يستحقون الموت من أجل سواد عيون السماسرة ومقاولي الحروب.
ولأن اليمنيين يعرفون عمان، خرج سالم البيض من المشهد اليمني المضبب بارودا وغبارا وقاتا، وجاء إلى مسقط ليتنفس الهواء النقي في حمى آل سعيد، وفر عبدرب الرسول هادي من الصواريخ الإيرانية لعبدالملك الحوثي ومن راجمات علي عبدالله صالح ليعبر سهوب اليمن الملتهبة نحو عمان الآمنة، رغم أن عمان ليست ضمن عاصفة الحزم، ولكنها على صدارة الإلتزام الحازم بالعهود والمواثيق، فجاء هو الآخر للحمى البوسعيدي، وأبى أن يغادر عمان إلا وهو بالدشداشة العمانية.
ومنذ فجر النهضة العمانية وسيد عمان مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس المعظم، حفظه الله ورعاه، يدعو دول الجزيرة والخليج العربي بشاطئيه لتحمل مسؤولية أمن المنطقة ضمن منظومة جماعية تجعل من القوى التي يصلها نفط المنطقة مساهما إيجابيا في أمنها، وضامنا لسلامة خطوط إمداد العالم بالجزء الأكبر من احتياجات الوقود لعصب صناعاته.
وبدلا من أن يتناغم الجهد الخليجي مع التحرك العماني فوجئنا بتعالي الإتهامات بالعمالة، فلم تنتظر المنطقة طويلا إلا ورأينا دولها لا تكتفي بمنح تسهيلات لأمريكا كما هو الحال مع عمان، بل تتسابق لتطرز شطآن الخليج بالقواعد العسكرية، ولتلون أفق المنطقة بعشرات الرايات الحمراء والخضراء والزرقاء، بل ويصل الأمر إلى حد تغيير البعض لأسماء ناقلات نفطه من أسمائها الخليجية إلى أسماء أجنبية واستئجار أعلام بلدان أجنبية ليرفعها على سواريها ليضمن إبحارها الآمن في مياه الخليج العربي .
ودارت الأيام وسلم الشاهنشاه صولجانه ورحل، وجاء الخميني من منفاه الباريسي ليرفع من درجة حرارة المياه في شط العرب، وينتفض صدام ليسيح بقواته في المجاهل الفارسية ومعه رايات سعد، ليغرس أهوار الفاو نخيل قادسيته الثانية، ونعيش محنة احتلال الحرم المكي بقيام جهيمان العتيبي مباغتا بدخوله انتظارات الشيعة لقائم آل محمد.
ويقلب الخليجيون في الذاكرة السياسية ليستخرجوا المبادرة العمانية الخاصة بالمنظومة الخليجية، ويتحمسون لقيام منظومة مجلس التعاون فيوظف سيد عمان خبرته العسكرية فيدعوهم إلى ضرورة البدء فورا بتشكيل جيش خليجي قوامه مائة ألف مقاتل يرفد جيوش المنطقة، ويتيح لها استعادة الأنفاس وامتصاص الصدمة الأولى لأي غزو يباغتها.
ومرة أخرى يخيب الخليجيون الآمال ويختزلون الفكرة العمانية بقوة رمزية ترابط في حفر الباطن تحت اسم درع الجزيرة. وفيما حرب الخليج الأولى تستعر ويعقبها زحف صدام بجيوشه صوب جارته الكويت فيقتحم قصر بيان، فينتفض بوش الأب ليحرر الكويت، ثم يصعد صدام اللهجة فيتحدث عن الكيماوي المزدوج، فينتفض هذه المرة بوش الإبن ليعطل فتيل تفجير الكيماوي المزعوم.
ثم تدخل المنطقة حرب فرض الوحدة اليمنية، فحرب التنصل من الوحدة، ثم حرب إعادة الوحدة اليمنية.
وفي غياب الجيش الخليجي الموحد الذي نادى به سيد عمان وحكيم المنطقة، يصدر الآخرون جيوشا من نوع آخر وبأزياء عسكرية غريبة وعقيدة عسكرية أغرب، وتتخذ من الإرث السني والشيعي لافتات لها، ومن غزوات الإسلام ومقدساته عناوينها الكاذبة ليزدحم المشهد بفيلق بدر، وفيلق القدس، ولواء أبي الفضل العباس، وعصائب الحق، وحزب الله، والقاعدة والنصرة وداعش، وكتائب الفاروق. ثم ندخل طورا آخر من هذه الجيوش التي ترفع راية أنصار الله فتتحدر من قمم صعدة باتجاه صنعاء فعدن فكل اليمن، ولا تكتفي كغيرها من المليشيات المؤدلجة بأن تكون أحد اللاعبين في المشهد العبثي بل تتحرك بجنون السلاح ووهم القوة لتهيمن على المشهد وتختطف اليمن الأكبر منها والأكبر من وكلائها، فيطل عبدالملك الحوثي من شاشة فضائية المسيرة التي تبث من جنوب لبنان وبتمويل إيراني وبدعم من حزب الله ليكون النسخة المكررة لحسن نصر الله وبنفس مفردات خطابه وبنفس حركة السبابة المهددة والمتوعدة، ليحدثنا هو الأخر كسلفه عن الموت لأمريكا وعن ثارات آل محمد وعن الحسينيين والزينبيات.
وبينما يكتسب نصر الله ألقه من وجوده على حدود إسرائيل، يكتسب الحوثي زعيم أنصار الله ألقه من كونه زيديا ومن بلد اليماني المتحدر من ذرية زيد بن علي وأن رايته في الثقافة المهدوية “راية هدى”. وكما حضرت ايران بقوة مع نصر الله في لبنان، حضرت مع أنصار الله في اليمن لتجعل من صعدة ضاحية جنوبية أخرى، ومهبطا لطائراتها وأسلحتها المعجلة بظهور المهدي.
وكما سيطرت على الجزء الشيعي في الجغرافيا اللبنانية اتخذت من باب المندب مرفأ لأسطولها المتأهب لتلبية صرخة قائم آل محمد.
وفيما تتواصل الغارات على صنعاء وعدن وصعدة ومأرب وتعز، يكبر السؤال المعلق في سماء العرب عن هذه الحرب العبثية وغاياتها، فإن كانت من أجل عيني هادي فإن الثمن المدفوع أكبر من هادي، وإن كانت من أجل الشرعية والديموقراطية فإن المشهد الليبي أسوأ أمثلة العرب في دعم الشرعية وتدعيم أسس الديموقراطية، وإن كانت لتوجيه رسالة قوية إلى إيران، فالأولى أن تحاسب إيران على تدخلاتها في سوريا والعراق ولبنان، لتكون اليمن آخر ميادين المحاسبة.
لذا فإن عمان التي لم تستطع فهم أهداف هذه الحرب ولا مبرراتها، اضطرت في اعتقادي إلى النأي بالنفس، ولتنجو بسيوفها من دماء إخوانها، فجيش عمان كما قلنا ليس “ربيع من خطف ولا غويز من رده”.
