بقلم:خصيب بن عبدالله القريني | المتتبع للإحصائيات السنوية التي ترصد صناعة السياحة في العالم، يدرك أن معظم البلدان التي تتسيد القائمة المرتبطة بمعيار أعداد السياح، هي في الواقع دول توظف جميع إمكانياتها الطبيعية والبشرية لتحقيق هذه الأهداف، ولعل أبرز هذه الإمكانيات، الاتكاء على التاريخ بكل مدلولاته والتي أبرزها الآثار الشاهدة على عظمته، ولعل الحضارة الإسلامية في إسبانيا خير شاهد على الاستغلال الأمثل لذلك التاريخ.
كما أن التسويق الإعلامي أيضا يسهم في إبراز هذه الصناعة بصورة كبيرة، حيث تم الإعلان قبل سنوات قليلة عن تغيير أو استبدال لعجائب الدنيا السابقة بعجائب جديدة تتناسب مع العصر الحالي والتطورات التي حدثت به، حيث تسابقت الدول وجندت مختلف طاقاتها لدخول منظومة عجائب الدنيا الجديدة، بل لاحظنا دولا ليس لها تاريخ يذكر تحاول وتسعى بكل ما أوتيت من قوة أن تنال نصيبا من إحدى العجائب العالمية لإدراكها كنه وماهية الاستفادة من هذا الحدث، ولإدراكها ان السياحة صناعة لابد من امتلاك زمامها بشتى الطرق والوسائل وخاصة الجوانب التاريخية وضرورة إبرازه إعلاميا.
إننا في سلطنة عُمان، نملك مقومات وموارد سياحية هائلة خاصة إذا ما تعلق الأمر بالتاريخ، “موارد تاريخية” نابعة من عمق الحضارة العمانية، الضاربة بجذورها في أعماق التاريخ، ولكن ولضمان النجاح نحتاج لوسائل وأدوات لتسويقها، بل لبعثها من مرقدها، ولا أعتقد إننا لا نملك المادة لتوظيفها، بل المشكلة في اللغز المحير لهذا التجاهل والتساهل في إبراز التاريخ، فكل قرية في السلطنة هي في واقع الحال منجز تاريخي، ولكن حتى أهل هذه القرية لا يعرفون شيئا عن هذا التاريخ، وهذا ناتج في الواقع من قلة التوعية بأهمية هذه المنجزات التاريخية، ودلالة ذلك رغم متابعتي لهذه المواضيع بحكم تخصصي الدراسي تفأجات أن في الولاية التي أعيش بها، توجد حضارة تعود آثارها إلى عصور ما قبل الميلاد وهناك شواهد أثرية حية تتمثل في القبور والقلاع والمناجم والمسكوكات وأدوات الزينة التي أنجزتها هذه الحضارة ولا أحد يعلم عنها شيئا، وقمت بزيارتها بالصدفة عن طريق معارف شخصية وحينما سألت عنها الكثير من المتابعين والمثقفين في الولاية تتملكهم الغرابة والدهشة عند مشاهدة الصور التي أعرضها عن هذه الآثار.
إذن من المسؤول عن هذا التجاهل لكل هذه المنجزات؟ من المسؤول عن عدم استثمار هذه المنطقة سياحيا، وهي منطقة جميلة وذات مناظر رائعة خاصة في مواسم الشتاء، ومما يزيد الطين بلة هو قيام وزارة الإسكان بتوزيع مخططات سكنية في نطاق هذه المنطقة، وقيام شركات الاتصالات بمد الأعمدة الخاصة بالاتصالات في حدود وأطراف المنطقة الأثرية وهذا أكبر دليل على عدم الاهتمام.
في المقابل هناك دول تحاول أن تصنع تاريخا من لاشيء وتنجح في أحيان كثيرة، وتعمل على استثماره وتسويقه بأسلوب بارع وناجح، دول لا تملك ربع ما نملكه نحن من تاريخ، تجيد توظيف ذلك وتصنع منه سياحة تاريخية.
إننا بحاجة لوقفة متأنية لوضع الأمور في نصابها، وقفة تنسيق بين مختلف الجهات ذات الاختصاص سواء تعلق الأمر بالسياحة أو التاريخ أو الآثار، فليست السياحة فقط مناظر طبيعية وقليل من الأمطار، فهذا ما نبحث نحن عنه بحكم الطبيعة الجافة لدولنا لكن هنالك سياحا يبحثون عن برامج وأنشطة أخرى تستهويهم وتشوقهم ولعل الموارد التاريخية هي أبرز ما يسعون اليه والدليل على ذلك إن هنالك دولا ومدن لها نفس الصفات المناخية الشبيهة بطبيعة بلدنا ولكن تحقق قفزات هائلة في صناعة السياحة وبصورة ملفتة ولعل إعادة كتابة تاريخ جديد لها هو أحد أسرار النجاح، في وقت نملك نحن كل مفاتيح التاريخ ولكن نحتاج لمفاتيح أخرى تعيد فتح الأقفال الموصدة في وجه تطور صناعة السياحة التاريخية.