بيروت – العمانية |
لا نستطيع الحديث عن الحياة التشكيلية في لبنان من دون الوقوف مطولا عند تجربة الإخوة بصبوص، فأعمالهم النحتية التي حوّلت بلدة “راشانا” في قضاء البترون شمال لبنان مسقط رأسهم إلى متحفٍ كبير في الهواء الطلق، أصبحت مع الوقت معلما أساسيا في الثقافة اللبنانية المعاصرة.
وعلى امتداد أكثر من ستين عاما، اشتغلت عائلة بصبوص على تحويل بلدة “راشانا” إلى مملكة للنحت، ويعود الفضل في ذلك للأخ الأكبر ميشال الذي توفي عام 1981م، ليتابع بعده المسيرة أخواه ألفرد ويوسف اللذان أسّسا في عام 1994م “سمبوزيوم” النحت في البلدة، واستضافا خلال أحد عشر عاما أكثر من خمسة وثمانين نحاتا من مختلف أنحاء العالم، منهم الفرنسي ريمون جاكييه والعراقي محمد غني حكمت.
و”راشانا” هي بلدة مشرّعة على الطبيعة والجمال، ومتحف في الهواء الطلق مفتوح على النحت والحجر والفن، على دروبها وحفافي طرقها تتوزع تماثيل ومنحوتات سكبها أبناؤها البصابصة بأزاميلهم، فنشروا اسمها ورفعوا اسم لبنان في أصقاع الدنيا، هناك يندمج الفن بمحيطه البيئي والهندسي، ويسكب هؤلاء النحاتون أحاسيسهم ورؤياهم وخواطرهم وأفكارهم ومخيلتهم أعمالا خالدة لا تموت.
على مدى أكثر من 60 عاما اشتغل الإخوة ميشال وألفرد ويوسف بصبوص ومن بعدهم أبناؤهم أناشار وسمير ونبيل على ما يملأ ويفيض عن 3 متاحف تضم مئات القطع الفنية المنحوتة من الحجر والخشب والحديد والبرونز من مختلف الأحجام حتى ضاقت بها الحدائق المفتوحة والصالات المقفلة، وآن الأوان لإطلاق مشروع ثقافي لإنشاء متحف
كبير يضم كل هذا الإرث ويحفظه للأجيال المقبلة، وبما يليق بهؤلاء الفنانين الكبار. وعن فكرة المتحف قال أناشار بصبوص لوكالة الأنباء العمانية إن إنشاء المتحف يقوم على فكرتين: ” بناء متحف متكامل يضم أعمال الفنانين الثلاثة، الصغيرة والمتوسطة الحجم، أشكالا وتماثيل وانصابا ومنحوتات، أو تحويل “راشانا” لتكون مسارا متحفيا يبدأ من مدخلها ويتجه إلى طرقها والمنحوتات الضخمة الموجودة على أطرافها، والمرور بالمتاحف القائمة حاليا التي يضم كل واحد منها اعمال كل فنان بمفرده، بدءا من متحف ومنزل وحديقة ميشال بصبوص ثم متحف ومنزل شقيقه ألفرد وصولا إلى حديقة النحت (Park Symposium).
وعلى دروب “راشانا” تعبق رائحة الفن ويتعرج بين بيوتها الخمسين مسار نحت البصابصة، البداية من منزل الأخ الأكبر ميشال حيث تتوزع 150 منحوتة له ولابنه أناشار، إضافة إلى ما بين 40 و50 منحوتة لأخيه يوسف في الناحية الشرقية، بعضها كبير وضخم يفترش الحديقة، اما المتوسط والصغير الحجم ففي الصالة المجاورة التي تحوّلت إلى متحف.
ميشال هو الأغزر إنتاجا، ويشير ابنه أناشار إلى “أنه تمّ إحصاء اعماله التي بدأت منذ عام 1940م على يد اختصاصيين، وقد بلغت 1500 عمل فني بين نحت حجر وخشب وبرونز وحديد وألومينيوم، ولوحات فحم وحجر صيني وزيتيات، وتمّت أرشفة كل أعماله بدءا من عام 1940م، وهي لا تزال محفوظة، لكن المعروض منها لا يتعدى الـ 200 منحوتة”.
وعلى كتف القاعة المنحوتة السكنية وهي البيت الذي شيّده ميشال بيديه عام 1973م بمساعدة أخويه، إذ طوع الباطون في شكل بيضاوي كي لا يضطر إلى تسميكه ويتمكن من تطويعه وصنع الأشكال الحرة، والبيت تسكنه اليوم زوجته ورفيقة عمره الكاتبة والشاعرة تريز عواد.
من هناك يتدرج الزائر نزولا إلى بيت وصالة عرض ألفرد بصبوص التي تضمّ ثروة فنية من مئات المنحوتات الرائعة الخشبية والبرونزية والحجرية ومن الطين والجفصين إضافة إلى اللوحات المرسومة بالفحم، ولكل منها رمزيتها ومعانيها.