مقال | عُمان وروسيا.. من ضفاف الدبلوماسية إلى فضاءات الاستثمار والسياحة

يكتبه: د. قاسم بن محمد الصالحي|

صداقة بصمت، وشراكة بهدوء، في عالم تزداد فيه ضوضاء التحالفات وموجات التوتر، تمضي سلطنة عُمان وروسيا بخطى هادئة نحو بناء علاقة متينة ومتعددة الأوجه، علاقة لا تستند فقط إلى التاريخ، بل إلى قراءة عقلانية للمصالح المشتركة والفرص الواعدة في المستقبل.

عبور بلا تأشيرة، وقلبٌ مفتوح، شهد عام 2024م قفزة نوعية في التبادل السياحي بين البلدين، حيث زار السلطنة أكثر من 44 ألف سائح روسي، بينما تضاعف عدد العُمانيين الزائرين لروسيا بنسبة تجاوزت 70%، وقد ساهم في هذا النمو توقيع اتفاقية الإعفاء المتبادل من التأشيرات، ما فتح أبواب التواصل الثقافي والإنساني على مصراعيها.

من الأسمدة إلى الآلات، تنوع في التبادل، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين عُمان وروسيا أكثر من 133 مليون ريال عماني (346 مليون دولار أمريكي) بنهاية 2024م، حيث تصدر عُمان المنتجات المعدنية والأسمدة وتستورد من روسيا المواد الغذائية والآلات.. وهو تبادل يتسم بالتكامل، ويعكس ثقة متبادلة في جودة السلع واستقرار العلاقات.

بآفاق جديدة في مناطق واعدة، تسعى عُمان إلى جذب الاستثمارات الروسية في قطاعات متعددة، خصوصا في المناطق الاقتصادية الخاصة مثل ميناء الدقم وصحار.  في المقابل، ترى موسكو في السلطنة بوابة آمنة ومستقرة نحو أسواق الخليج والهند وأفريقيا، ما يعزز الطموحات المشتركة في التنويع الاقتصادي والانفتاح على أسواق جديدة.

بحكمة عمانية، ورؤية روسية، جاءت زيارة جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، إلى موسكو في أبريل 2025م، مثلت علامة فارقة في مسار العلاقات الثنائية، وشكلت منصة للحوار حول ملفات الطاقة والنقل والتعليم والثقافة. كما أتت في توقيت دولي بالغ الحساسية، لتُثبت مرة أخرى أن عُمان تعرف كيف تمسك بخيوط التوازن، وأن روسيا تجد في هذا التوازن عنصرا ثمينا في خارطة تحالفاتها المتنوعة.

عندما تتحول الجغرافيا إلى فرصة، في زمن الاصطفافات الحادة من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط، تنسج عُمان وروسيا علاقة لا تقوم على التبعية ولا على المجاملة، بل على قراءة مشتركة للواقع، وإرادة حقيقية لصياغة مستقبل مشترك. إنها شراكة تتجاوز الموانئ والأسواق، لتصبح نموذجا في كيف يمكن للدول أن تتحالف بلا ضجيج، وتربح بلا صدام.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*