يكتبه: آمنة بنت محمد البلوشية|
في فيلم A Working Man، والمقتبس من رواية ” تجارة ليفون” للكاتب تشاك ديكسون الصادرة عام 2014 يعود جيسون ستاثام ليثبت أن البطل ليس من لا يُهزم، بل من يحاول النجاة من ماضيه كل يوم. قصة الفيلم في ظاهرها بسيطة، لكنها تخفي تحت جلدها طبقات من الرماد والضوء، وتدعونا للغوص في عالم تتقاطع فيه الأبوة مع الانتقام، وتتمازج فيه مشاهد الأكشن مع نغمات الحزن.
يقدم لنا جيسون ستاثام شخصية مليئة بالألم والبطولة في آن واحد. ليفون كيد، جندي سابق في قوات الكوماندوز البحرية الملكية، تحول إلى قائد فريق بناء، ليعيش حياة متواضعة بعيدة عن ساحات المعارك. لكن كما هو الحال في القصص الكبرى، لا يهرب الإنسان من ماضيه، بل يُجذب إليه عندما يظن أنه قد نسيه. فحين تُختطف جيني، الابنة المراهقة لعائلة غارسيا، يدخل ليفون مرة أخرى في عالم العنف والملاحقات، ليُجسد معركة من أجل العدالة لا تتوقف إلا مع غروب الشمس.
صراعٌ بين الماضي والحاضر
ينكشف لنا أن الشر لا يموت بل يتجدد، كما هو الحال مع عصابة “براتفا” بقيادة سيمون خارتشينكو. اختطاف جيني ليس مجرد جريمة عابرة، بل هو المفتاح الذي يعيد ليفون إلى ساحات المعركة. في هذه اللحظة، تتداخل القيم الإنسانية مع تكنولوجيا الشر الحديث، وتبدو كأنها معركة بين الضوء والظلام. فبعد قتل ليفون القائد وولو كوليسنيك، يبدأ المطاردون في تتبع خطواته: دانيا وفانكو، اللذان لم يتوقعا أن يحوّل ليفون المعركة إلى شيء شخصي. هذا التسلل، الذي يتظاهر فيه ليفون بأنه تاجر مخدرات، يعكس محاولات الرجل المتعبة لإيجاد مخرج بعيد عن البؤس، بينما يواصل التغلغل في عالم الجريمة بكل وحشيته.
الموسيقى… عزفٌ في الظلام
في مشهد يتسم بالكثير من الهدوء وسط العنف، نجد عزفًا هادئًا لمراهقة تمسك بمصيرها وتفرض إرادتها رغم اختطافها. كان وجود الموسيقى في خلفية الفيلم، رغم أن المواقف تكون في معظمها مليئة بالدماء والمطاردات، كالعزف في السماء المظلمة. ففي اللحظات التي تلمع فيها النغمات، تعكس موسيقى جايرد مايكل فراي تلك المسافة بين الألم والأمل، وكأنها نداء حزين لكن مليء بالقوة.
رمزية الظلال والنور
كانت مشاهد غروب الشمس وظهور القمر المكتمل تضيف عمقًا إلى حالة الشخصيات. في حين كانت الشمس تغرب مع كل خطوة يخطوها ليفون في مسار الانتقام، كان القمر يضيء سماء الليل، كما لو كان شاهدًا صامتًا على معركة لا تنتهي. حيث كان غروب الشمس يشير إلى نهاية مرحلة من حياته، في حين كان القمر، في لحظات حاسمة، يرمز إلى الأمل والعدالة المفقودة.
العالم البصري: مدينة باردة وكئيبة
صُوّر الفيلم في مدينة تغمرها الهمسات الكئيبة والظلال الممدودة. لم تكن مجرد أماكن باردة، بل كانت مثل مرآة تُعكس فيها أوجاع الشخصيات. في هذا الإطار الصناعي، تَبرز لحظات الحبكة وكأنها مشهد متكامل، من خلال شوارع ضبابية، وواجهات معتمة، لتتناسب مع الطابع الداكن للفيلم.
الشر المتوارث: الأجيال وميراث الألم
أحد الدروس الأشد تأثيرًا في الفيلم هو فكرة أن الشر يمكن أن يتوارث عبر الأجيال. يتم إظهار ذلك بوضوح من خلال سيمون خارتشينكو، الذي يسعى للاحتفاظ بمملكته من الجريمة عبر أولاده دانيا وفانكو، مُجسدًا بذلك إرثًا من الشر لا يمر عليه الزمن. في النهاية، لا يتعلق الأمر فقط بالقتال ضد الأعداء الظاهرين، بل بمواجهة ميراث من الألم والخيانة التي لا تنقضي.
الأداء: تعبيرات خالية من الكلمات
جيسون ستاثام، في أدائه العميق، لا يُجسد فقط شخصًا يسعى للانتقام، بل هو رجل يخوض معركة في قلبه وعقله قبل أن يكون جسده في صراع مع الأشرار. يمكن ملاحظة شدة الملامح وتعب الوجه في كل لحظة، مما يضيف ثقلًا عاطفيًا كبيرًا للفيلم. أما أريانا ريفاس وديفيد هاربر، فقد أضافا مستوى إضافيًا من الدراما والتوتر من خلال تقديم أداء معبر.
خاتمة: إضاءة بعد غروب
Working Man لا يسعى ليكون مجرد فيلم أكشن تقليدي، بل هو رحلة إلى أعماق الإنسان. تلك الرحلة التي تبدأ بأمل بعيد، وتنتهي بغروب الشمس، وسط قمر كامل. في هذا الصراع، يتجسد معنى العدالة كضوء بعيد في السماء، لا يزول إلا مع انتهاء المعركة.