مقال| من التحديات إلى الفرص: فن إدارة التغيير في وطننا 

يكتبه: خلف بن سليمان البحري| 

 في عالم يتغير بسرعة مذهلة، أصبح من الضروري أن نتعامل مع التغيير ليس كاستجابة حتمية للواقع، بل كفرصة لصنع واقع أفضل. التغيير ليس شيئًا يُفرض علينا من الخارج، بل هو قرار ينبع من داخلنا، مدعومًا برؤية واضحة واستراتيجيات محكمة. 

السياحة على وجه الخصوص تمثل أحد هذه التغيرات المهمة التي تساهم في تغيير وجه الاقتصاد والمجتمع، إذ أصبح هذا القطاع من أهم المجالات التي يمكن أن تقودنا إلى اقتصاد متنوع ومستدام بعيدا عن الاعتماد على النفط. قطاع السياحة في وطننا أصبح محركا رئيسيا في تعزيز الاقتصاد المحلي، حيث يفتح أمامنا 

أبوابا واسعة للاستثمار ويسهم في رفع الناتج المحلي الإجمالي. 

المشاريع السياحية الجديدة، التي تشمل المنتجعات والفنادق والبنية التحتية الحديثة مثل الطرق والمطارات، تعمل على تعزيز مكانتنا كوجهة سياحية هامة على الصعيدين الإقليمي والدولي. هذا التوسع في قطاع السياحة ليس فقط موجهًا لجذب الزوار من الخارج، بل يسهم أيضا في توفير الآلاف من الفرص الوظيفية للشباب، مما يعزز النمو الاقتصادي ويقلل من معدلات البطالة.  

لكن، من المهم أن نضع في اعتبارنا أن التوسع السياحي يجب أن يسير جنبًا إلى جنب مع مبدأ الاستدامة. لا يمكن أن نسمح بأن يؤدي النمو السريع في قطاع السياحة إلى استنزاف مواردنا الطبيعية أو التأثير سلبًا على بيئتنا وثقافتنا. فالسياحة المستدامة هي السياحة التي تركز على الحفاظ على الموارد البيئية والاجتماعية والاقتصادية لضمان استمراريتها للأجيال القادمة. 

من خلال التخطيط السليم، يمكننا تطوير مشاريع سياحية تحقق التوازن بين النمو الاقتصادي والحفاظ على التراث الثقافي والطبيعي.

 السياحة ليست مجرد مرفق اقتصادي، بل هي محرك لعدة قطاعات أخرى مثل النقل والمواصلات، والخدمات، والصناعات المحلية. على سبيل المثال، السياح الذين يزوروننا لا يقتصرون على زيارة المعالم السياحية فقط، بل يتفاعلون مع ثقافتنا ويشترون منتجاتنا المحلية من الحرف اليدوية والتمور والتوابل، مما يعزز الاقتصاد المحلي ويدعم الصناعات الصغيرة. 

هذا التفاعل مع الزوار يعكس تأثير السياحة في رفع مستوى الوعي بالتراث والثقافة المحلية. الجهود التي تُبذل على مستوى الحكومة والمجتمع المحلي لتطوير السياحة لم تقتصر على المشاريع الكبرى فقط، بل امتدت إلى تعزيز التنوع السياحي على مستوى المحافظات. 

فكل محافظة تتمتع بميزات فريدة تُسهم في جعلنا وجهة متنوعة تتناسب مع جميع الأذواق. في محافظة ظفار، على سبيل المثال، موسم الخريف يُعتبر نقطة جذب كبيرة للزوار الذين يأتون للاستمتاع بالمناخ المعتدل والطبيعة الخلابة. 

مهرجان خريف ظفار يُعد حدثا هاما للترويج للتراث، كما يساهم في دعم الأعمال الصغيرة والمتوسطة في المنطقة. وفي محافظة الداخلية، نجد المعالم التاريخية مثل قلعة نزوى والأسواق التقليدية التي تجذب الزوار الذين يبحثون عن تجربة ثقافية أصيلة. 

أما في العاصمة مسقط، حيث يجتمع الحداثة مع التراث، تجد العديد من المعالم السياحية مثل دار الأوبرا السلطانية وسوق مطرح، التي تُعد جزءًا من الهوية الثقافية، وفي ذات الوقت، تُسهم في دعم النمو السياحي.

 الحكومات المحلية تعمل على تحسين وتطوير هذه المواقع لتلبية احتياجات السياح بشكل أكبر. محافظات أخرى مثل مسندم والبريمي تركز على السياحة البيئية، مما يوفر لنا فرصة استكشاف الجمال الطبيعي في مناطق مثل الجبال والبحار والمضائق. بالإضافة إلى ذلك، فإن محافظات شمال وجنوب الشرقية تشهد نشاطًا سياحيًا متزايدًا في مجالات سياحة المغامرات مثل التزلج على الرمال والغوص في جزر مصيرة. 

هذه الأنشطة تعزز من مكانتنا كوجهة متنوعة تحاكي اهتمامات مختلف السياح. محافظة شمال الباطنة، التي تتمتع بوجود العديد من المواقع السياحية الطبيعية مثل الشواطئ الخلابة والمواقع الأثرية، تبرز كمركز جذب سياحي للأفراد المهتمين بالاسترخاء والطبيعة. 

وفي محافظة جنوب الباطنة، نجد العديد من الأنشطة الترفيهية المناسبة للعائلات، من منتجعات ومناطق للأنشطة المائية، مما يعزز السياحة المحلية ويوفر تجربة سياحية متكاملة. أما محافظة الظاهرة، التي تحتوي على العديد من الآثار والمواقع التاريخية، فتعتبر نقطة جذب للسياح المهتمين بالثقافة والتراث.

 كما تعمل هذه المحافظة على تطوير السياحة الريفية، حيث يمكن للزوار التفاعل مع السكان المحليين والتعرف على أسلوب حياتهم. إن دور المحافظات في تعزيز السياحة يتعدى مجرد الترويج للمواقع الطبيعية، بل يشمل تحسين البنية التحتية وتوفير خدمات حديثة تسهم في تحسين تجربة الزوار. 

التوسع في إقامة المهرجانات والفعاليات السياحية يسهم في جذب السياح من جميع أنحاء العالم، بينما يوفر فرصا كبيرة للاستثمار المحلي والدولي في المشاريع السياحية. ورغم هذه الجهود الكبيرة، فإن التحديات ما زالت موجودة. أبرزها ضرورة الحفاظ على التراث الثقافي والطبيعي أثناء النمو السياحي.

 هنا تأتي أهمية الاستدامة، حيث يجب علينا تطوير السياحة بطريقة تضمن حماية البيئة الطبيعية ومواردها، مع الحفاظ على الهوية الثقافية التي تميزنا.

 فمشاريع السياحة المستدامة تُساعد في حماية المناطق الطبيعية مثل المحميات الطبيعية والشواطئ والجبال من التدمير نتيجة التدفق السياحي. من خلال ذلك، نضمن أن تستمر هذه الأماكن في جذب السياح دون التأثير على قدرتها على استيعابهم في المستقبل. 

 من خلال هذه الموازنة بين التوسع في السياحة والحفاظ على مواردنا، نُؤمن مستقبلًا مشرقًا للأجيال القادمة. وبذلك، نجد أن السياحة ليست مجرد قطاع اقتصادي بل هي جزء من رؤية أوسع تهدف إلى بناء اقتصاد متنوع ومستدام. 

من خلال استغلال مواردنا الطبيعية والبشرية بشكل ذكي، يمكننا تحقيق نقلة نوعية في حياتنا الاقتصادية والاجتماعية، مما يجعلنا قادرين على مواجهة التحديات وتحقيق فرص أكبر لمستقبل أفضل.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*