مسقط-وجهات|
تستضيف دار الأوبرا السلطانية مسقط حفل (السيمفونية التاسعة لبيتهوفن) المصنفة أهم عمل قاطبة للموسيقار لودفيغ فان بيتهوفن، وهي كذلك واحدة من أهم وأعمق المعزوفات الموسيقية التي ألفت عبر التاريخ. تقدم السيمفونية أوركسترا (راي) الإيطالية، وبمشاركة كورال الإذاعة السويدية. تُعزف السيمفونية يوم الخميس 8 ديسمبر، في الساعة السابعة مساء.
تعتبر السيمفونية التاسعة لبيتهوفن (1770 – 1827) المصنف 125 في سلم ري الصغير إحدى أعظم المؤلفات الموسيقية في تاريخ الموسيقى الغربية وتشكّل السيمفونية الكاملة الأخيرة التي ألفها لودفيغ فان بيتهوفن. فقد أنجز رائعته المعروفة باسم “الكورالية” أو السيمفونية التاسعة عام 1824 بعد حوالى عقدٍ من الإعداد. وتتميّز السيمفونية التاسعة بأنها عملٌ مركّب وقوي ومؤثر، فقد أتت وليدة رؤيا بيتهوفن في نطاقها وكانت تجسّد التعقيد التقني عند تأليفها. ومن المتعارف عليه في العالم أنها أجمل أعمال بيتهوفن وأروعها في تاريخ الموسيقى الكلاسيكية.
وتعدّ هذه السيمفونية إحدى الأركان الأساسية في قائمة أعماله فقد ساهمت في إنشاء جسر مهمّ يصل بين الحقبتين الكلاسيكية والرومنسية في مسيرة الموسيقى الغربية. تشتهر السيمفونية بحركاتها الأربع وخصوصًا الحركة الأخيرة التي تضمّ كورالا كاملاً مع مغنّين منفردين ينشدون قصيدة فريدريش تشيلر الساحرة “أنشودة الفرح”. وقد اعتمد الاتحاد الأوروبي المقطوعة الكورالية هذه كنشيد له.
لقد كانت السيمفونية التاسعة عملًا صعبًا بكل المقاييس بالنسبة للعصر الذي أُلفت فيه، فهي طويلة ومتطلّبة ومعقدة وتصويرية. ولم يكن إيجاد “معانٍ” مباشرة لها بالمهمة السهلة على جمهور بيتهوفن الذي عُرف كأعظم موسيقار في عصره، فهي عمل قلب كل الموازين وتحدى الأعراف وفتح بابا أمام سيل من الإمكانيات والتفسيرات. لقد كانت السيمفونية التاسعة ولا تزال لغزًا، وتعبيرًا موسيقيًا مجازيًا، ومنتدى للجدالات الثقافية حول الحب والإنتصار والغموض.
لقد ضمّن بيتهوفن في سيمفونيته التاسعة مقاطع سردية تروي انتصاره على الصمم في مزج بارع ومهيب بين صوت الآلات وصوت المغنيّن المنفردين والكورال. ومن خلال محاولته التقرّب من قيم الإنسانية والرحمة والتآخي التي روّج لها عصر التنوير، نجح بيتهوفن الأصمّ في قهر عجزه والتحرر من أغلال مرضه والسمو بروحه إلى مراتب سماوية جديدة. وبذلك استعادت السيمفونية أمجادها وعادت من جديد لتتخطى الحواجز الدنيوية المقتصرة على الأنغام المتآلفة مبحرة إلى آفاق غير مسبوقة من العظمة والرفعة لتتحول إلى منتدى فلسفي وفكري تُطرح فيه شتى القضايا المتعلقة بالوجود والعذاب واللوعة والانتشاء والتقرّب من الذات الإلهية.
الكثيرون يعتبرون السيمفونية التاسعة لبيتهوفن رحلة بحث عن المدينة الفاضلة. والعديد من الأعمال السابقة للمؤلف تجسّد بلا شكّ هذه الرحلة الخالدة التي يسبر فيها المرء أغوار وجدانه ويبحث فيها في كل ركن عن مثل هذا المكان الخيالي المثالي.
وفي عصرنا الحالي أصبحت السيمفونية التاسعة ترمز إلى الوحدة البشرية. في عام 1988 على سبيل المثال، عزفتها الأوركسترا الفيلهارمونية العالمية في عدة مدن في العالم الغربي تحت شعار “الموسيقى والسلام”. وفي عام 1989، في أعقاب سقوط جدار برلين، عزفت ألمانيا المتحدة “نشيد الحرية” في حفل خاص أحيته أوركسترا يقودها ليونارد برنشتاين ومؤلفة من موسيقيين من كلا جانبي الجدار بمناسبة عيد الميلاد المجيد على خشبة مسرح “شاوسبيلهاوس” في برلين وذلك للإحتفاء بتوحيد الألمانيتين. غير أن هذه الحركة كانت أيضًا مستوحاة من معتقد تاريخي أن شيللر أراد أن تكون “أنشودة الفر” “أنشودة للحرية” لكنه غيّر الحرية إلى فرح لأغراض رقابية. وفي دورة الألعاب الأولمبية، أصبحت “أنشودة الفرح” ترمز إلى الوحدة الإنسانية والأخوة. إنها نشيد للتسامح والمحبة وانتصار قوى الخير على الشر والكراهية والظلام.
تعزِف (السيمفونية التاسعة لبيتهوفن) الأوركسترا الإيطالية (راي ناشيونال سيمفوني)، ويقود الفرقة القائد الموسيقي الأمريكي جيمس كونلون. تشارك في تقديم السيمفونية جوقة الإذاعة السويدية، ويغني فيها السوبرانو آيا ميكولاي والميزو-سوبرانو إيلينا مانيستينا والتينور براندن يوفانوفيتش و الباس-باريتون بول غاي.