مقال| الغول المنحني وبوشكين الروسي 

يكتبه: حمدان البادي|

 الموسيقى كانت ولا تزال جسراً عابراً للثقافات، تقرّب المسافات بين الشعوب وتنقل تراثهم وهوياتهم. وبينما كنت أحضر أمسية فنية للموروث الروسي في المتحف الوطني، حضرت إلى ذهني الأغنية الشعبية العمانية “الغول المنحني”، ربما بسبب الجدل الذي أثارته مؤخراً حين ظهرت في مقطع فيديو ضمن إحدى الفعاليات، مما دفع إحدى الجهات إلى إصدار بيان تنأى فيه بنفسها عن الأغنية.

 أما الأمسية الروسية التي استضافها المتحف الوطني، فقد كانت مختلفة تماماً، في بداية الأمسية، استقبلتنا فرقة “فيتشوركا” بعروض موسيقية تدل على مدى عمق الموسيقى كهوية وطنية ولغة عالمية قادرة على التواصل مع مختلف الشعوب بعد ذلك قدمت فرقة الأكاديمية الشعبية الشمالية الروسية بقيادة سفيتلانا إغناتيفا، مجموعة من المقطوعات الشعبية المستمدة من الفلكلور الروسي.

جاءت هذه الأمسية احتفاءً بمرور 225 عاما على ميلاد الكاتب والشاعر الروسي ألكسندر بوشكين، أحد أعمدة الأدب الروسي الكلاسيكي. ولعلها كانت أيضاً جزءاً من الجهود الروسية لتعزيز انفتاحها الثقافي والسياحي على أسواق جديدة، ومنها السوق العمانية. 

وعلى الرغم من أنني لم أتمكن من معرفة إن كانت المقطوعات التي عُزفت مستوحاة من أعمال بوشكين، إلا أنني شعرت بأنني اقتربت من الثقافة الروسية، التي تحدثت إلينا بلغة الإحساس. استطاع الأداء المتقن للفرقة، بما فيه من بساطة وتناغم، أن يتجاوز حاجز اللغة، خاصة عبر المشاركة المبهرة من مجموعة العازفين وأصوات النسوة التي نقلتنا إلى عوالم روسية غنية بثقافتها الموسيقية، فقد استمتعنا بمقطوعات شعبية وأناشيد وتراتيل تنبض بالجمال، عززها الأداء الحركي الهادئ والتناغم اللافت بين أفراد الفرقة.

 ما يجعل هذا الأمسية ذا قيمة خاصة هو أنه يعكس أهمية الاحتفاء بالرموز الثقافية وباللغة، كاعتزاز بموروث ثقافي وحضاري. فالموسيقى، حين نصغي إليها بعناية، قادرة على أن تخاطب أحاسيسنا وتصل إلى أعماقنا، وهذا ما حققته الفرقة الروسية التي أبهرتنا بجماليات الفلكلور الشعبي الروسي.

 وبالرغم من عدم معرفتي ببوشكين الذي تحتفل روسيا بعيد ميلاده الـ 225، إلا أن بحثاً سريعاً أظهر أنه أحد أعظم شعراء روسيا في القرن التاسع عشر، ولقب بأمير الشعراء. ورغم حياته القصيرة التي لم تتجاوز 38 عاماً، ترك إرثاً أدبياً مميزاً، استطاع أن يجعل اسمه حاضراً كرمز ثقافي عالمي. 

أما عن الأغنية الشعبية العمانية “الغول المنحني”، وغيرها من الكلمات فهي جزءٌ من فنوننا المحلية الغنية وهذا التنوع الثقافي يعبر عن امتداد تاريخي وحضاري اصيل في سلطنة عُمان، ويستحق منا الحفاظ عليه كما هو، من دون تشويه سياقه أو إخراجه عن إطاره الأصيل. 

ختاماً، سواء كنا نتحدث عن الموسيقى الروسية أو الأغنية الشعبية العمانية، يبقى التراث الفني والثقافي انعكاساً لهوية الشعوب ووسيلة للتواصل والتفاهم بينها. والأهم هو الحفاظ على هذا التراث بكل أصالته، مع ترك المجال للتعبير الفني الحقيقي الذي لا يخرج عن جوهره.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*