مقال| رنين ومطعم ساحل سداب 

يكتبه: حمدان البادي| 

 في مطعم “ساحل سداب” بمسقط، وقفت في طابور بانتظار مقعد شاغر في المطعم، حيث قررت أن يكون محطتي الأخيرة بعد جولة مسائية بين أزقة مطرح القديمة ومعرض “رنين”، لمكافأة نفسي بوجبة يكون خبز البراتا طرفا أساسيا فيها.

 كنت أبحث عن التجارب غير المألوفة لهذا انتقلت من مطرح لمسقط، مطرح التي انتشيت فيها بإيقاع “رنين” الذي تشكل برؤية إبداعية من الشباب وهم يعيدون سرد الحكاية والأحلام في معرض “رنين” كنشاط يحده وقت ومكان لكن لا يحده زمان، حيث امتزج الفن بأصالة المكان ونمط الحياة في ثلاثينيات القرن الماضي، في رنين مطرح لمست القمر وعدت بذاكرتي إلى الهواتف العمومية التي تشكل ذاكرتنا وذكرياتنا، إلى الصور التي أعادتني لبيوت الطين وحياة الإنسان إلى بساطة الفكرة وعمق المعنى، إلى الموسيقى والحياة في بيوت مطرح القديمة، بيت الخنجي والخوري أو عيادة أفنان للأسنان، البيوت التي احتضنت معرض “رنين” بعد أن أعاد أصحابها بترميمها لتبقى شاهداً على سيرة المكان. 

 مطعم “ساحل سداب”، الذي يقع على بعد أميال من فندق قصر البستان، أحد أشهر الفنادق في عُمان، كانت الساعة تشير إلى التاسعة مساءً، حين وصلت إليه، وعدد من يقفون بالخارج أكثر من الجالسين بالداخل، قبل أن يطلب منا مجموعة من الشباب أن نتقدمهم فهناك مقعدين شاغرين على طاولة يجلس بها آخرون ولأن عددهم أكبر من عدد الكراسي طلبوا منا أن نتقدمهم.

 لا أذكر متى تشاركت طاولة طعام في مطعم مع آخرين لا أعرفهم، كان هذا النمط سائداً في المطاعم قبل أن نعرف المطاعم السياحية وتؤسّس لثقافة الطاولات ذات الأعداد المحددة والتي لا يمكن الجلوس عليها إلا من قبل أشخاص محددين. 

 مطعم “ساحل سداب”، تجربة عمرها نصف قرن، ويمكن ملاحظة ذلك من نمط البناء حيث تم زخرفة جدار السطح بزخارف أقرب للزخارف الإسلامية، ولأن التجربة قديمة فهي تحتفظ بمذاق خاص بالمطعم، وقائمة طعام غير مكتوبة يتوفر بها كل ما يخطر بالبال وأعني ذلك حرفيا، فالمطعم من المطاعم الكلاسيكية التي يدبر لك النادل ما تريد من طعام، ولهذا السبب يصطف الناس في طوابير أمامه للحصول على كرسي فارغ، أو طاولة، وأغلب زواره يبحثون عن “المسالا” بأنواعها .. حبار، روبيان، دجاج، نقانق وحتى مسالا بيض وقائمة تطول يتم تقديمها مع خبز البراتا الأصلي أو العيش بأنواعه المتعارف عليها. 

 بالنسبة لي زرت المطعم سابقا بطلب من احد الأخوة إلى جانب أن الصديق جمال الكيومي وهو من سكان سداب كان يتخذ جدران المطعم للإعلان عن أحد مشاريعه وقد علق عليه صور من مقابلة صحفية كنت قد أجريتها معه ونشرتها في جريدة عُمان عن “ابتكار يساعد الصيادين على جر القوارب آليا إلى الشاطئ” وقد وزع ذلك مع صور أخرى في عدد من أسواق السمك لاستقطاب الصيادين لشراء ابتكاره وقد وضع اسمي بجانب اسمه، لذا؛ كثيرا ما كان يتواصل معي معارفي والأصدقاء ممن يمرون بالمطعم ليشعروني بذلك. 

 بين معرض “رنين” ومطعم “ساحل سداب”، تناولت وجبة كاملة الدسم من الفن والأصالة وخبز البراتا. انتهت فعالية “رنين”، لكنها تركت أثرا ثقافيا يعكس رغبة الناس في إحياء ذكريات مطرح وبيوتها وقصص أهلها الذين مرّوا من هناك وبقيت آثارهم، أما مطعم “ساحل سداب”، فهو امتداد لحقبة زمنية في مسقط لا يزال يقدم ثقافات مختلفة من الطعام لزواره.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*