بانكوك – بلومبرغ|
حين أرادت أوجاسفي كهورانا أن تسافر في عطلة لثلاثة أسابيع في أبريل من دون سابق تخطيط، كان همّها الأول أن تجد دولة يمكنها أن تزورها من دون انتظار لتحصل على تأشيرة.
ذهبت المهندسة الهندية التي بلغت 24 عاماً من عمرها وتقيم في بنغالارو، إلى تايلاند حيث جابت تلالها الخضراء واستكشفت شواطئها بيضاء الرمال. كان من أكبر أسباب اختيارها لتايلاند قرار تلك الدولة في نوفمبر إعفاء المسافرين الهنود من تأشيرات الدخول، كما شمل ذلك عدداً من الجنسيات الأخرى.
قالت كهورانا: “حجزت تذكرة السفر إلى بانكوك قبل بضعة أيام فقط من مغادرتي الهند لأنني لست بحاجة إلى تأشيرة… أنا سعيدة لأن ذلك نجح”.
كان نجاح رحلة كهورانا جزءاً من نجاح تعيشه تايلاند أيضاً. تقول وزارة السياحة التايلاندية إن الحجوزات إلى البلاد زادت 35%، ومن ذلك ارتفاع قياسي في عدد السياحالهنود.
قالت كهورانا: “أردت تجنب الأماكن المزدحمة”، ولكنها كانت تجد مواطنين هنوداً آخرين إينما ذهبت، وأضافت: “في شيانغ ماي، صادقت كثيراً من الهنود وسهرنا معاً”.
جواز السفر الهندي معروف بضعفه من حيث دخول البلدان، لكن وضعه أخذ يتحسن مع تنامي ثروة الهند.
كانت تايلاند واحدة من عشرات الدول على امتداد آسيا وأوروبا التي راجعت قيود الدخول إلى أراضيها في العام الماضي، وقد صعّدت جميعها حملاتها التسويقية ترقباً لطفرة مسافرين قادمين من الهند، التي وصل عدد سكانها إلى 1.4 مليار، وبدأت أغلب هذه الدول في تسجيل ارتفاع في عدد الزوار الهنود.
حتى العام الماضي، كان 6.6% فقط من الهنود، أي 93 مليون شخص، يحملون جوازات سفر. كما أن الحصول على تأشيرات السفر مهمة مكلفة ومرهقة، حيث تطلب كثير من سفارات الدول الأجنبية كشوف حسابات مصرفية وإجراء مقابلات شخصية.
حتى بعد تخفيف كثير من الدول في الآونة الأخيرة قيودها على المسافرين من الهند، فإن 61 دولة فقط لا تفرض تأشيرات سفر على الهنود (بالمقارنة مع 200 تقريباً تسمح بدخول مواطني الدول الأثرى دون تأشيرة)، حسب شركة “هينلي أند بارتنرز” (Henley & Partners) المتخصصة بقوانين الهجرة.
وقد تصل أحياناً مدة انتظار موعد طلب التأشيرة إلى ثمانية أشهر، ما يضطر البعض إلى إلغاء سفرهم في حال لم تجهز أوراقهم في الوقت المناسب. في 2023، كان الهنود من بين أكثر الجنسيات الذين رُفضت طلباتهم للحصول على تأشيرات إلى دول الاتحاد الأوروبي.
لكن التغيير قد بدأ، إذ افتتحت دول من البيرو إلى المغرب مكاتب سفر لها أو عمدت إلى توسيع مكاتبها في المدن الهندية، واستعانت بنجوم بوليوود كسفراء لها وقدمت رحلات مجانية لمشغلي الرحلات السياحية.
أنشأ مجلس السياحة في سنغافورة مثلاً منصة في أحد مراكز التسوق الكبرى في مومباي، تخللتها عروض لمنسقي الموسيقى وتقديم أطباق سنغافورية محلية مميزة وروجت لمعالمها السياحية عبر شاشات ضخمة.
أمّا السعودية، التي قالت إنها تطمح لزيادة عدد السياح الهنود إلى 7.5 مليون سنوياً بحلول 2030 مقارنة مع 1.5 مليون في العام الماضي، فافتتحت مكاتب لتأشيرات السفر، واستضافت معارض عن ثقافتها. كما بدأت تصدر تأشيرات مرور لأربع أيام للمواطنين الهنود المسافرين في رحلات طويلة تتوقف في السعودية، مع خدمات نقل داخل المملكة.
في أبريل، خفف الاتحاد الأوروبي القيود على دخول المواطنين الهنود من خلال إصدار تأشيرات دخول متعدد لفترات أطول لمن سبق لهم أن دخلوا منطقة الاتحاد مرتين في السابق على الأقل.
في ذلك الشهر، بدأت اليابان أيضاً بالسماح للمواطنين الهنود بالاستفادة من إجراءات التأشيرات الإلكترونية المبسطة. أمّا الإمارات العربية المتحدة التي تضمّ جالية هندية كبيرة، فبدأت هذا العام بإصدار تأشيرات سفر متعددة الدخول للمواطنين الهنود. قال شيانغ لي، أستاذ السياحة في جامعة سنترال فلوريدا: “حين تخفف دولة ما القيود على تأشيرات السفر، فإن تأثير ذلك لا ينحصر بتسهيل دخول الأجانب، بل يوجه رسالة قوية عن الضيافة في ذلك البلد”.
بلغ عدد الأسفار الدولية لمواطنين هنود نحو 13 مليون رحلة في 2022، بحسب “ماكنزي أند كو” التي تتوقع ارتفاعاً في هذا العدد إلى أكثر من 80 مليوناً سنوياً بحلول 2040. كما قال موقع “بوكينغ دوت كوم” (Booking.com) إنه يتوقع أن يصبح الهنود رابع أكبر جنسية من حيث الإنفاق على السفر الخارجي في العالم بحلول 2030، حيث سيصرفون 410 مليارات دولار سنوياً، أي نحو ثلاثة أضعاف معدل 2019. وأفادت دراسة سنوية صادرة عن “ماستركرد” (Mastercard) بأن “عدد الهنود الذين يقبلون على السفر أكبر من أي وقت مضى”.
جاء هذا النموّ مدفوعاً بزيادة ثراء الطبقة الوسطى التي زاد إنفاق أفرادها على السفر 25% حتى هذا الوقت من العام بالمقارنة مع الفترة عينها من 2023 بحسب شركة “إس أو تي سي” (SOTC) الهندية لتنظيم الجولات السياحية. يقود هذه الموجة أبناء الجيل “زد” المولودون بين نهاية التسعينات وبداية الألفية، حيث يخطط أربعة من كل خمسة منهم للسفر بعد أن يحصلوا على وظيفة أو حين يتلقون أول راتب، حسب موقع “سكاي سكانر” (Skyscanner) لحجز تذاكر السفر.
قال ريجو برامنيك، 24 عاماً، الذي شرع في جولة تستمر شهراً وتشمل أمستردام وبرشلونة وباريس بعد تعيينه مطوراً للبرمجيات: “كنت أدخر الأموال لأقوم برحلة طويلة وجميلة”.
أجرت أكبر شركتَيْ طيران في الهند أضخم عمليات شراء طائرات في تاريخ الطيران. فقد طلبت الشركة الأولى في البلاد “إنديغو” (IndiGo) شراء أكثر من ألف طائرة، 30 منها “إيرباص” عريضة البدن، فتمكنت شركة الطيران منخفضة الأسعار من زيادة عدد وجهاتها الدولية التي بدأت بتشغيلها العام الماضي، وكان عددها 17.
أمّا الشركة الثانية في البلاد “طيران الهند” (Air India) الرائدة في السفر الدولي، فلديها طلبيات قائمة لشراء 470 طائرة من “إيرباص” و”بوينغ” لكنها لم تبدأ باستلامها بعد.
كانت نحو ستّ شركات أجنبية منافسة، مثل “طيران الاتحاد” و”الخطوط الجوية الماليزية” و”طيران آسيا” قد أضافت وجهات جديدة أو زادت عدد مساراتها لتشمل مدناً هندية أصغر مثل أمريتسار في الشمال وثيروفانانثابورام، العاصمة الساحلية لولاية كيرالا وهي تُعرف أيضاً باسم تريفاندروم، كما قدمت شركة الطيران منخفض التكلفة “ويز إير” (Wizz Air) المتمركزة في بودابيست طلب إذن للتحليق من أوروبا إلى الهند.
وقال رئيس العمليات في “ويز” مايكل ديليهانت “إنها سوق ضخمة”، مشيراً إلى أن الشركة تخطط “للدخول بشكل أوسع إليها وربطها بالشكل الملائم ببقية شبكة (ويز)”.
في تايلاند، تنامى عدد المطاعم الهندية التي تقدم أطباقاً مثل نان وبانير وباني بوري. وفي باتايا، تستقبل الفنادق التي تقدم مآدب بوفيه للمجموعات السياحية أكثر من 200 سائح هندي يومياً، وهناك معظم الخيارات “نباتية تماماً”، حسب كريم وهبة، مسؤول التسويق في وكالة الجولات السياحية “رويال فاكيشن” (Royal Vacation) في بانكوك. قال: “لا يريدون تفويت فرصة الاستفادة من السياح الهنود، لذا يقدمون مأكولات يعرفون أنها تروق لهم”.