أوروبا تشتكي “السياحة المفرطة”..  التأثيرات السلبية وسياسات الاستدامة‬

الرباط – وجهات| 

قالت رحمة حسن، باحثة بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، إن تحول السياحة الجماعية إلى سياحة مفرطة وعودتها إلى مستويات ما قبل الجائحة أدى إلى العديد من الاحتجاجات في مدن أوروبية؛ بسبب تأثيراتها الاجتماعية والبيئية.

وأوردت الباحثة، ضمن مقال منشور من قبل مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة معنون بـ”سياسات الاستدامة الأوروبية لمواجهة “السياحة المفرطة”، حسب موقع هسبريس، أن هناك حاجة إلى سياسات سياحية مستدامة لإدارة الوجهات بهدف تعزيز الاستدامة والشمول، مع معالجة العوامل الخارجية وتأثير القطاع على الموارد والمجتمعات؛ وهو ما وضعته منظمة السياحة العالمية في فبراير 2024 كإطار لقياس الاستدامة الاجتماعية والبيئية، من قبيل سياحة الجودة بدلا من الكمية وتطبيق الحصص السياحية وتطوير وجهات جديدة وتغيير مؤشرات الأداء لتحقيق تنمية المجتمع وتغيير المؤشرات لتربط الإيرادات بتحقيق قيمة اقتصادية واجتماعية وبيئية.

واتجه العالم إلى وضع سياسات أكثر استدامة، في ظل عودة الحركة السياحية العالمية بنسبة 97 في المائة إلى مستويات ما قبل جائحة كورونا، وفقا لمؤشرات منظمة السياحة العالمية للربع الأول لعام 2024 مقارنة بالفترة نفسها من عام 2019؛ فقد سافر أكثر من 285 مليون سائح دوليا في الفترة من يناير إلى مارس 2024، وبزيادة حوالي 20 في المائة عن الربع الأول من 2023.

واستطاعت الوجهات الأوروبية تخطي حاجز عام 2019 بنحو 1 في المائة باعتبارها الوجهة الأولى عالميا، مسجلة نحو 120 مليون سائح خلال الربع الأول من العام الحالي، أي 42 لفي المائة من إجمالي السياحة الوافدة عالميا؛ ولكن الأعداد السياحية المتزايدة أثارت سلوكا معاديا في مدن أوروبية عديدة ضد السياحة المفرطة في الفترة الأخيرة؛ نظرا لتأثيرها في الخدمات المقدمة للمجتمع المحلي، بجانب آثارها البيئية.

وقالت الباحثة، قد تساعد السياسات الوطنية لبعض الدول على إنهاء المشكلات المرتبطة بتحول السياحة الجماعية إلى سياحة مفرطة، مع توقع تمددها إلى مدن أخرى، مع استضافة القارة الأوروبية الأحداث الرياضية المهمة مثل دورة الألعاب الأولمبية في باريس من 26 يوليو إلى 11 اغسطس 2024؛ بيد أن هناك حاجة إلى سياسات سياحية مستدامة لإدارة الوجهات بهدف تعزيز الاستدامة والشمول، مع معالجة العوامل الخارجية وتأثير القطاع على الموارد والمجتمعات، وهو ما تم وضعه من قِبل منظمة السياحة العالمية في فبراير 2024 كإطار لقياس الاستدامة الاجتماعية والبيئية، وسيجري التصويت عليه من قِبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في شتنبر المقبل.

وحددت الباحثة تلك السياسات في:

1ـ سياحة الجودة بدلا من الكمية: من خلال الاعتماد على السائح الأعلى إنفاقا، فالدول الأكثر جذبا للسياحة ليست بالضرورة الأكثر دخلا منها؛ فالولايات المتحدة حققت المركز الأول من حيث الإيرادات السياحية والثالثة من حيث عدد السائحين، مقابل فرنسا الأولى من حيث عدد السائحين والرابعة من حيث الإيرادات. ومن ثم، فإن الاعتماد على جذب السائح الأكثر إنفاقا سيسهم في تخفيف حدة الأزمة الناجمة عن السياحة المفرطة، كذلك تحديد قيمة السياحة من حيث مساهمتها في المجتمع المحلي، والتي تتزايد من خلال تزايد معدل إنفاق السياح الأجانب داخل المجتمع، والمتوقع أن تزيد بنسبة 27 في المائة خلال الربع الأول من 2024 عن العام الماضي، مع تفعيل مفهوم “السياحة المسؤولة”.

2ـ تطبيق الحصص السياحية وتطوير وجهات جديدة: من خلال العمل على إعادة توزيع السائحين على المناطق الأقل جذبا، وتنظيم دخول الأفراد إلى المناطق الأثرية والسياحية، وفرض حد أقصى لعدد الزوار، مع تقديم أسعار تنافسية لها، ودعم فكرة الحجز المُسبق خاصة خلال مواسم الذروة. يُضاف إلى ذلك، تطوير الوجهات الأوروبية القريبة من الدول الأكثر جذبا وربطها ضمن برامج موحدة. كما أن جذب أسواق متنوعة سيسهم في استدامة الوظائف السياحية وتحقيق التوازن لتخفيض الطبيعة الموسمية للسياحة.

3ـ تغيير مؤشرات الأداء: من خلال الاعتماد على معدلات الإيرادات، بجانب كيفية مساهمة السياحة في تقليل البطالة، والالتزام بجعل السفر الجوي “صفر كربونيا” بحلول عام 2050، وتطبيق تكنولوجيا الطيران وسياسة السماء الواحدة الأوروبية، بجانب الاعتماد على عدد الليالي السياحية والإقامة في الفنادق ومساهمتها في الاستثمار، ودور السائح في تعزيز التجارب المحلية. وتؤكد هولندا، على سبيل المثال، في استراتيجية 2030، على ضرورة أن يكون كل زائر مساهما في تحقيق رفاهية المواطنين. كما يعمل الاتحاد الأوروبي على تزويد أعضائه بالأدوات والمعرفة لتسريع الانتقال إلى نماذج سياحية أكثر تنافسية واستدامة.

وفي المقابل، فإن الآثار السلبية تكمن في موسمية بعض الأعمال في القطاع السياحي، كما أن زيادة الطلب السياحي على العديد من العقارات والخدمات الأساسية أدت إلى عدم توافرها أو ارتفاع أسعارها مقارنة بمعدلات الدخل؛ وهو ما تسبب في الأزمة الحالية في إسبانيا، إذ زادت الإيجارات في برشلونة بنسبة 68 في المائة في السنوات العشر الماضية، مع ارتفاع تكلفة شراء ‏المنزل الواحد بنسبة 38 في المائة؛ لما تسببت فيه مشاركة المجتمع المحلي عبر الإيجارات المؤقتة ‏من خلال موقع (Airbnb)‏. كما تضاعفت الاحتجاجات ضد ‏السياحة في جزر الكناري والبليار وملقا الإسبانية،‏ بجانب انتقال الاحتجاجات إلى لشبونة عاصمة البرتغال، وبراغ التشيكية، وكذلك مدينة أمستردام الهولندية.

كما أن هناك شعورا متزايدا لدى المجتمع المحلي بعدم المساواة؛ نتيجة تركيز معظم مصادر إنفاق الدخل السياحي على سلاسل القيمة المقدمة للسائح من وسائل نقل أو إقامة أو شركات حجز ومنظمي رحلات؛ مما يحد من التدفقات النقدية المباشرة للسياحة على المجتمع المحلي. وهذا ما دفع العديد من الدول إلى اتخاذ إجراءات لتقليل الأزمة، مثل وقف التراخيص الجديدة لتأجير العقارات عبر منصات الإنترنيت مثل (Airbnb)‏. كما فرضت بعض المدن حدودا ‏زمنية على تأجير العقارات للسياح، وأعلنت كتالونيا العمل على إنهاء تأجير ما يصل إلى 10 آلاف شقة لقضاء العطلات حتى عام 2028. وتتقاضى جزر البليار (مايوركا، ومينوركا، وإيبيزا، وفورمينتيرا) رسوما ليلية تتراوح من 1 إلى 4 يوروهات لكل سائح يبلغ من العمر 16 عاما. وتُستخدم هذه الضريبة، المعروفة باسم “ضريبة السياحة المستدامة”، للترويج لممارسات سياحية أفضل والحفاظ على طبيعة الجزر، وتخطط فالنسيا لاتخاذ إجراء مماثل.

وقالت في ختام مقالها، إن هناك أهمية للسياحة في تنمية المجتمع؛ غير أن تحول السياحة الجماعية إلى سياحة مفرطة وتأثيراتها الاجتماعية والبيئية أدت إلى العديد من الاحتجاجات في مدن أوروبية؛ ومن ثم عمدت السلطات الأوروبية إلى العمل على تطوير مؤشرات قياس أداء القطاع السياحي لتحقيق تنمية المجتمع، وتغيير المؤشرات لتربط الإيرادات بتحقيق قيمة اقتصادية واجتماعية وبيئية.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*