يكتبه: حمدان البادي|
لم يستطع هاتفي تحمل درجات الحرارة وقد أشعرني بذلك وأنا أحاول أن أوثق بعض أنشطة الصيف في وقت مبكر من صباحات يوليو، ونحن الذين نتسابق لنرصد معدل الارتفاع اليومي لدرجة الحرارة ونشاركها مع الأصدقاء متبوعة بعبارات الرضى والشكر “الحمدالله اليوم أبرد عن أمس” لا نقولها من باب النكتة أو المواساة بل لأن درجة الحرارة انخفضت من الخمسينات إلى الأربعين، ربما لان الإنسان ابن بيئته” وإن درجات الحرارة وارتفاعها لم تثنه عن حياته وتفاصيلها.
في أيام الصيف أو القيظ تمتلئ صباحاتنا بالنشاط والحيوية ونحن نسابق شروق الشمس في ضواحي النخيل والمزارع نتتبع “العذوق” وقد تدلت كثريات الذهب كما قالت فيروز في وصف عناقيد العنب، عذوق النخل وقد استوت وحان حصادها بعد أن تم توضيعها وتحديرها وأخذنا منها ما أخذنا من تباشير قبل الجداد وما بين كل هذا وذاك كان “اللقاط” أو “الرقاط” كعادة يومية لتجميع ما انسل من رطب بفعل الرياح أو تلك التي وهنت وتحولت إلى خرخاش.
أجد في المثل “من جد وجد ومن زرع حصد ” مسوغ لمسمى “الجداد” دون سواه من المسميات ولعل التسمية التي يتفق عليها العمانيون جاءت من الجد، وهم ملتزمون بموسم الجداد وقد تحولت صباحات الضواحي إلى كرنفالات عائلية حفظ كل فرد فيها دوره ومهمته، وهم يسوقون الجداد إلى “المسطاح” لتبدأ هناك مرحلة أخرى بتنقيته وفرزه ومن ثم تغليفه بعد أن يأخذ حاجته من الشمس، يفعلون كل ذلك وهم في سباق مع الصفيرو والدبي حتى لا تنخر من التمر مما يفقده بريقه ويحوله إلى “نفيعة” لا يصلح إلا للهوش مع ما تم فرزه من تمور غير صالحة للاستخدام.
ترتبط بالجداد فعاليات وأنشطة أخرى مثل التبسيل نسبة إلى نخلة المبسلي ودرجة استواء الثمر لمرحلة البسر، والتبسيل أو كما يسمى أيضا الفاغور نشاط موازي للجداد وإن تشابهت بعض مراحلهما في الحصاد، ولن أخوض في تفاصيله لأننا لا نمارسه في قريتنا بالرغم من شهرته وأهميته في عدد من ولايات السلطنة.
وإذا كانت الضواحي والمزارع يحفها البراد فإن للجبال وجه آخر حيث يسابق العسيلة شروق الشمس ليتمكنوا من رؤية حركة النحل مع خيوط الشمس الأولى وقد اتخذت من كل جحر مأوى لم يكن عصيا عن وصلهن، وقد حفظ من أمتهن هذا النشاط أماكن تواجدهن حيث يرتبط موسم العسل بأشهر الصيف الأولى وجودته وغزارته مرتبطة بالأمطار وتوفر “البرم” أزهار شجرة السمر حيث يجد فيه النحل او ذباب العسل كما نسميها رحيق لتنتج منه واحداً من ألذ وأجود أنواع العسل.
لهذا قيظنا مميز ويزدان بالفواكه الصيفية التي يطيب استواءها مع الجو بسواهيبه ولواهيبه مثل، التين والبطيخ والعنب والفيفاي والبصل الابيض، ويبقى للقيظ نكهته الخاصة، والإنسان ابن بيئة وقد لا يكون الجميع معتاد على درجات الحرارة المرتفعة، والحذر مطلوب.