يكتبه: حمدان البادي|
واحدة من التجارب السياحية التي يجب -في اعتقادي- أن يعيشها الإنسان ولو لمرة في حياته هي السفر وحيدا بلا رفقاء ليعيش مع ذاته ويكتشفها ويمنح نفسه فرصه للتأمل في حياته بعيدا عن كل شيء.
ونقصد بالوحدة في السفر هو السفر الذي يأخذ بالمسافر إلى العزلة، العزلة المحمودة والمنشودة مع الروح لإعادة تهذيبها من فوضى الحياة، اللحظة التي نكون فيها مجبورون على مواجهة أنفسنا، وهذه اللحظة تصنع ولا تضعنا الظروف فيها حتى لا نفسدها بالتشبث بأي شيء يخرجنا من الحالة الفردية إلى الحالة الاجتماعية.
وإذا كان المرء يتعافى بأصدقائه، فإن السفر بدونهم -أحيانا- نوع من التعافي ومن شأنه أن يبعدنا عن الأحاديث المعتادة، أو السير في مسارات معتادة، أو المجاملة وأحيانا التغاضي حتى لا نفقد بعضهم، ولأن السفر كما يقال هو أفضل طريقة لاكتشاف معدن الناس، فالأولى أن نستخدم السفر لاكتشاف معدن الذات وتهذيبها، الأمر ليس سهلا وليس صعبا، وعلى المسافر حتى يصل إلى تلك اللحظة أن يتهيأ لذلك وأن يتحرر من كل شيء بعد أن يكون قد رتب لكل شيء وأن يتجرد من كل الرفقاء وكل المشتتات ومنصات التواصل الاجتماعي، وأن يمنح نفسه مساحة من المرونة بحدود ليسمح للآخرين من يصادفهم في السفر أن يقتحموا تلك العزلة الاختيارية.
وهذا النوع من السفر المحدد بأيام معدودة -في اعتقادي- ضروري للفرد ويمكن أن يكون في حدود سلطنة عُمان، أو في مسير فردي بين أحضان الطبيعية لمن ينشد الهدوء والسكينة والتأمل ويمكن أن يتضمن ممارسة بعض الأنشطة مثل القراءة والتأمل وأحيانا الالتقاء بناس غرباء ليرى انعكاس ذاته فيهم وهم يجهلون كل شيء عنه يستطيع أن يأخذ كامل حريته في الحديث معهم ويتعلم منهم تجارب جديدة إلى جانب بعض الأنشطة الأخرى التي لا تكسر هذه العزلة.
بالنسبة لي يروق لي السفر وحيدا لأضيع في زحمة المدن وأقضي الليل في النزل التي تقع في السكيك الخلفية للمدن حيث لا يدركها إلا أصحاب المدينة، تلك النزل التي تكون “ذات التكلفة التي لا تذكر ” أو أقضي الليل نائما في كرسي باص سياحي يصل بي بين وجهتين لا اعرف أحداً ولا أحد يعرفني، وعلى النقيض قد احجز تذكرة سفر على درجة رجال الأعمال وأنام في فنادق ذات التصنيف العالي حسب الحالة المزاجية والميزانية، كل ما انشده أن أكون مع ذاتي وأعيش لحظة من الحرية من دون أي التزام أو قواعد.
وفي النهاية “العزلة هي زاويةٌ صغيرةٌ يقف فيها المرءُ أمام عقله، حيث لا مفر من المواجهة”، على حسب رأي سعود السنعوسي في رواية ساق البامبو، وهي سفر روحي، كما قال الروائي محمد العجمي في مقال له عن فلسفة السفر “وتوجيه الذات نحو الاكتشاف والتعلم والتجارب الجديدة، هو السفر الذي يجعل من الإنسان طفلا وكائنا روحيا، حيث تتجسد الحرية في صورتها الحقيقية كوحي يقود الإنسان من يده ليأخذه في عوالم الدهشة”.