تواصل فعاليات مؤتمر التراث فرص: الابتكار والصون والاستدامة

المحروقي يدعو إلى حماية التراث الفلسطيني من العدوان الاسرائيلي الغاشم والممنهج 

الخروصي: التراث فرص إقتصادية وإجتماعية وعلمية وثقافية وسياحية إذا ما أحسنّا إدارته وتوظيفه

د. هبة عبدالعزيز: مناقشة الاستراتيجيات والفرص المبتكرة في الحفاظ على التراث الثقافي وتعزيزه عربيا

د. آمنة البلوشية: الحاجة ملحة لحراك دولي على كافة الأصعدة للإبقاء على هذا الإرث الحضاري للبشرية

مسقط – يوسف بن أحمد البلوشي| 

أكد سالم بن محمد المحروقي وزير التراث والسياحة، اننا نجتمع اليوم في المؤتمر وهناك عدوان غاشم يتم تحت أعين الجميع، الهدف منه ليش القضاء على الذاكرة البشرية، وذاكرة الإنسان في فلسطين، ولكن هو عمل ممنهج له منذ فترة طويلة منذ بداية الاحتلال الغاشم على ارض فلسطين بما يقارب خمسة وسبعين سنة.

وقال المحروقي في كلمة ألقاها في ختام مؤتمر التراث فرص، والذي عقد مساء يوم السبت، في الجامعة الألمانية للتكنولوجيا في سلطنة عمان، ان هذا العمل الغاشم للأسف ممنهج ومدعوم سياسيا ودبلوماسيا بل من خلال أسلحة الدمار الشامل الهدف منه القضاء على كل ما يمثل الذاكرة للشعب الفلسطيني.

ودعا وزير التراث والسياحة العماني سالم المحروقي، إلى الالتزام بالأسس المرجعية للحفاظ على تراث الشعب الفلسطيني وهو يمثل تراث الإنسانية جمعاء، مؤكدا أن تطبيق المعايير المزدوجة لا يفيد السلام العالمي والاستقرار الإقليمي.

وطالب المحروقي بتنفيذ المبادىء الموجهة التي تضمن حقوق الجميع للحفاظ على تراثه وكيانه، وكل الممتلكات التراثية والثقافية.

وان ما نراه الان من دمار للمعالم التراثية والتاريخية بشكل ممنهج على كافة اراضي فلسطين يمثل اعتداء واضح وصريح ضد كل القيم.

مناشدة دولية 

ودعا منظمة اليونسكو وكل منظمات المجتمع المدني مثل التحالف لحماية التراث العالمي، إلى لعب دوره الطبيعي من أجل التدخل سواء في هذه المرحلة أو المرحلة اللاحقة من أجل إعادة البناء واستدامة التراث في الأراضي الفلسطينية التي يمثل تراث الإنسانية بشكل عام.     

وقال المحروقي في كلمته، ان مؤتمر التراث فرص، يمثل فرصة سانحة لنا في سلطنة عُمان من أجل تبادل المعرفة وإبراز القضايا المشتركة سواء على المستوى الإقليمي أو حتى الممارسات الدولية.   

وقال: آمل أن تتكرر مثل هذه الملتقيات، مشيرا إلى أن الوزارة ستنظم ملتقى في العام بداية القادم 2025،  بمناسبة مرور 50 عاما على اصدار مجلة الدراسات العمانية، وهي مجلة محكمة والأولى من نوعها في العالم العربي. 

واضاف المحروقي قائلا، إننا نأمل أن تتكرر مثل هذه الملتقيات لتبادل المعارف والخبرات وخلق الفرص لإدامة التراث والحفاظ عليه وتعظيم قيمه المختلفة. 

حماية وإدارة التراث 

واشار وزير التراث والسياحة إلى أن سلطنة عمان كما يعلم الجميع من الدول الرائدة في حماية وإدارة التراث الوطني من خلال انشاء وزارة خاصة منذ بداية عهد النهضة العمانية المباركة تحت مسمى وزارة التراث القومي، ومنذ تلك الفترة إلى الآن اصبح هناك رصيد تراكمي كبير وغني. 

وقال ان خلال هذه الفترة ومن خلال رعاية مباشرة من جلالة السلطان المعظم، حفظه الله ورعاه، تم انشاء برامج جديدة، تمثل محور قطاع التراث، وهنا نعني التراث المغمور بالمياه،  ومكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية، اخذين في الاعتبار الموقع الجغرافي لسلطنة عمان وكان لزاما أن ننشىء مثل هذه البرامج لأحكام السيطرة على الحركة غير الشرعية للمتاجرة بالمقتنيات الأثرية التي تمثل ذاكرة للشعوب والإنسانية جمعاء.

واكد المحروقي ان هناك برامج متعددة نعمل عليها منها استدامة التراث المعماري وبناء القدرات وسوق العمل وإفادة المجتمعات المحلية وهي ملكها تمثل محاور مهمة تعمل الوزارة على ادخالها ضمن مسارات العمل المختلفة، لذلك هناك التزام وبناء والعمل على تطبيق أفضل الممارسات في هذا السياق. 

خطة تنموية 

من جهته، قال المهندس إبراهيم بن سعيد بن خلف الخروصي، وكيل التراث في وزارة التراث والسياحة، ان الوزارة سخرت، بالتعاون مع شركاء القطاع، الموارد والطاقات، كما عملت الوزارة جاهدة خلال الخطة التنموية العاشرة على بناء الشراكات مع المجتمعات المحلية ومختلف المؤسسات الحكومية والخاصة عاملةً بمنهجية واضحة قوامها أن الحفاظ على التراث الثقافي يأتي من المجتمع نفسه، وبإستراتيجية تُعظم إستفادة المجتمعات والأجيال القادمة من التراث الثقافي بما يضمن استدامته والحفاظ عليه وفق أفضل الممارسات الدولية. 

واضاف: نعم إن التراث فرص، فرصٌ إقتصادية وإجتماعية وعلمية و ثقافية وسياحية إذا ما أحسنّا إدارته و توظيفه بطرق و أدوات تصونه و تحفظ له مكانته و تُعظّم الإستفادة منه. ونحن هنا في سلطنة عمان – وبفضل ما تزخر به من موروثٍ متفردٍ و متنوع- ندرك حقيقة فرص التراث بكل مضامينه و أشكاله من تراث طبيعي و ثقافي، محوره الإنسان العماني، الذي يحتفظ بما اكتسب من موروث، و يعمل على جعله فُرصاً ينميها و يطورها ويحرص على نقلها أصيلةً لمن بعده. 

 وقال الخروصي، إن تجربة سلطنة عُمان بإشراك المجتمعات المحلية ومنحها الفرصة، وتمكين الشركات الأهلية و المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من إدارة وتشغيل وتوظيف القلاع والحصون ومختلف المعالم التاريخية كان له دوره في رفع عدد زوار هذه المعالم بشكل ملحوظ علاوة على ارتفاع القيمة الاقتصادية للأعمال التجارية في المناطق المحيطة بها واستحداث فرص عمل جديدة تتماشى ومتطلبات هذا الجيل والأجيال القادمة، حيث أسندت الوزارة في هذا الإطار أكثر من 16 معلماً تاريخياً للتنافس بين المجتمع المحلي في إدارته والتشغيل بإشراف من الوزارة، وقد أثبتت هذه التجربة الفريدة نجاحها في إيجاد وجهاتٍ و مقاصد سياحيةٍ وفرصٍ عديدةٍ في التوظيف المباشر و غير المباشر، وإيجاد منافذ تسويق للحرفيين و الأسر المنتجة، وأصحاب الفنون والفرق الشعبية للتنافس الحميد في إظهار ما تتميز به كل محافظة من ميزاتٍ تنافسيةٍ، بالإضافة إلى تعزيز الفرص الحيوية والثقافية والاقتصادية و تعظيم المحتوى المحلي وغيرها التي لا يسعنا الوقت للحديث عنها. وهو ما يتوافق مع الإتجاه العالمي الأوسع لإشراك المجتمعات المحلية في إدارة المعالم الثقافية و التاريخية، و هو ما نصت عليه المادة (5) من اتفاقية اليونسكو لحماية التراث العالمي الثقافي و الطبيعي.

 إحياء الحارات العمانية 

وساهم هذا التمكين في إعادة إحياء الحارات العمانية القديمة بتشكيل لجان أهلية محلية بوجود جميع الشركاء ذوي العلاقة بالخدمات و المطوّرين في الحارة للأغراض السياحية، كما تعمل هذه اللجان على تسريع الحصول على الموافقات وضمان الحفاظ على المفردات المعمارية و العمرانية لسمات هذه الحارات. كما تقوم الوزارة حالياً بإعداد دليلٍ استرشادي (Buildig Code) لترميم وإعادة البناء في الحارات العمانية القديمة.

 واضاف: لقد ساهمت وتساهم جهود الوزارة في إستمرارية تعزيز الإبتكار في تقديم التراث بالتقنيات و الأدوات الحديثة، ففي مجال حماية التراث وصونه فقد قامت الوزارة بتوثيق عدد من المعالم التاريخية بإستخدام تقنيات بما يعرف بالـ (VR) و هو التصوير الثلاثي الأبعاد بجودة عالية و التي تتيح خاصية التجوال في المعالم التاريخية وتوثيقها بأدق التفاصيل المعمارية و الزخرفية، وقد تم توثيق أكثر من 100 معلماً وموقعاً أثرياً قي مختلف المحافظات. كما تقوم الوزارة بتنفيذ عدد من المشاريع الاستراتيجية و تطوير المنظومة المتحفية بإنشاء متحف التاريخ البحري بولاية صور وإنشاء عدد (4) من مراكز الزوار في المواقع الأثرية بهدف نشر المعلومة التاريخية عن المواقع الأثرية في سلطنة عُمان، و الذي سيكون له الأثر لرفد وتعزيز المنتج السياحي في مختلف المحافظات، بالعلاوة على تطوير وترميم عدد من المتاحف الأخرى كالمتحف العماني الفرنسي ومتحف أرض اللبان التي تعد أحد أبرز الوجهات الثقافية والسياحية في سلطنة عُمان. 

160 مشاركا 

بدورها، قالت البروفيسورة هبة الله عبدالعزيز، رئيس كرسي اليونسكو لإدارة التراث العالمي والسياحة المستدامة في المنطقة العربية في الجامعة الألمانية للتكنولوجيا في عمان، ورئيسة المؤتمر ان هذا الحدث الرائد يجمع ما يزيد على 160 مشاركا ومشاركة من 20 دولة من الأكاديميين والممارسين وصانعي السياسات والطلاب للتعلم والتعاون حول كيفية الحفاظ على تراثنا العالمي. ويهدف المؤتمر إلى جمع كبار الخبراء والعلماء والممارسين وصانعي السياسات وأصحاب المصلحة في مجال إدارة التراث والسياحة المستدامة لاستكشاف ومناقشة الاستراتيجيات والفرص المبتكرة في الحفاظ على التراث الثقافي وتعزيزه في المنطقة العربية. 

واضافت، سيغطي المؤتمر عدة جوانب أساسية لإدارة التراث العالمي والسياحة المستدامة، مثل: التنمية السياحية المستدامة والحفاظ على التراث الثقافي، والمشاركة المجتمعية وتمكينها للحفاظ على التراث، والتقنيات الرقمية لحفظ وإدارة التراث، وتسويق التراث، والحوكمة والأطر القانونية والتنظيمية في مجالات الحفاظ على التراث.

تنبوء صريح 

من جانبها، قالت الدكتورة آمنة بنت سالم البلوشية، أمينة اللجنة والوطنية العمانية للتربية والثقافة والعلوم، يأتي تنظيم مؤتمر التراث فرص: الابتكار والصون والاستدامة، كتنبؤ صريح للعديد من المعضلات ومحاولة لدراسة الحلول والمقترحات في قالب أكاديمي وعملي لضمان صياغة توصيات علمية تتوافق والرؤية الدولية لاستدامة التراث وضمان تاريخ مجيد لا يتزعزع، يدرسه أبناؤنا في المستقبل ويضيفوا إليه حصيلة تجاربهم التقنية والمعلوماتية بشكل يضمن صونه ويرحب باستثماره في الوقت ذاته.

بعد قرن من الزمان، ربما ستتناقل القنوات الإعلامية مقاطع مصورة لقلاع وحصون ومواقع تراثية أخرى كانت معلما ثقافيا تاريخيا ذات يوم، ولكنها في ذلك العام انصهرت كليا مع التوسع العمراني الذي اجتاح المنطقة، وتآكلت جدران البعض منها بفعل عوامل التعرية، ونسفت الأنواء المناخية والنزاعات صلابة التاريخ في الكثير منها، التاريخ الذي لن يعود مثار اهتمام الكثيرين ممن سيعيشون تلك الحقبة، وتبدلت حقائقه وظُللت معلوماته في ظل الصراع المتسارع لهيمنة التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي الذي فرض وجوده على كل شيء، بدءا من التراث. 

واضافت: هذه الصورة المرعبة لا يجب أن تظهر، فالحاجة ملحة لحراك دولي من جميع الجهات وعلى كافة الأصعدة للإبقاء على هذا الإرث الحضاري للبشرية، الحاجة التي تنبهت لها اتفاقية التراث العالمي لمنظمة اليونسكو حين أكدت في مبادئها على أن الثقافة والطبيعة يشكلان سلسلة متصلة من موارد كوكب الأرض والتي تعد إدارتها المتكاملة ضرورية لنجاح التنمية المستدامة على المدى الطويل ولمستقبل الحياة على كوكب الأرض.

اليوم الأول

تضمن برنامج اليوم للمؤتمر كلمة رئيسة حول حماية التراث لبناء السلام، ألقتها فاليري فريلاند المدير التنفيذي للتحالف الدولي لحماية التراث في مناطق النزاع (ألف). فيما ترأست د. أهداف سويف مؤسسة احتفالية فلسطين للأدب الجلسة الأولى للمؤتمر والتي تمحورت حول إعادة بناء التراث والمجتمعات: الفرص والتحديات. وتضمنت الجلسة خمس أوراق عمل علمية، وهي: التراث من أجل الأمل: إعادة وتأهيل التراث الثقافي في فلسطين، قدمتها شذى صافي مديرة مركز رواق للمحافظة على التراث المعماري بفلسطين. فيما استعرضت اليساندرا بيرزوتو المدير الاقليمي للشرق الاوسط وشمال أفريقيا بصندوق الآثار العالمي في الورقة الثانية دراسات حالة متحف الموصل الثقافي ومدينة تعز القديمة. أما الورقة الثالثة فدارت حول إعادة بناء التراث كعامل للشفاء من الصدمات الاجتماعية: دروس من البوسنة قدمتها د. عمرة هادزيم محمدوفيتش مدير مركز التراث الثقافي بالمنتدى الدولي بالبوسنة. والورقة الرابعة كانت حول تقييم المخاطر في أوقات الصراع للدكتور عبدالحميد صلاح رئيس مجلس إدارة المؤسسة المصرية لإنقاذ التراث. أما الورقة الأخيرة في الجلسة الاولى فقد استعرضت قضية الحماية الاستباقية للممتلكات الثقافية في حالة النزاع المسلح والكوارث الطبيعية، تناولها البروفيسور بيتر ستون من جامعة نيوكاسل من المملكة المتحدة.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*