قصر المشتى.. تحفة معمارية أموية في الصحراء الأردنية

عمّان “الأردن” – العُمانية|

في قلب الصحراء جنوب العاصمة الأردنية عمّان، يقع قصر المشتى، أكبر القصور الأموية المنتشرة في البادية الأردنية.

ارتبط بناء القصر باسم الخليفة الأموي الوليد بن يزيد بن عبد الملك عام 744م. ويعزز هذا الرأي أنه عُثر في ستينيات القرن العشرين على لَبِنَة في القصر نُقش عليها نصٌّ كتبه سليمان بن قيسان الذي عاش ما بين عامي 730 و750 للميلاد، وعدّ الباحثون ذلك دليلًا على أن الوليد هو مَن بنى القصر، الذي سُمِّي “المشتّى” لأن قبائل الصحراء كانت تتخذه محطة لها خلال فصل الشتاء.

ووفقًا للمصادر، لم يكتمل بناء القصر بسبب وفاة الخليفة الوليد الذي كان راعيًا لمراحل إنشائه، وهناك من يرى أن مآلات قصر المشتى من الشواهد على بداية انهيار الدولة الأموية.

ويتسم القصر بطراز معماري فريد، ينتمي إلى العمارة التي شاعت في بلاد الرافدين والجزيرة العربية من حيث استخدام الطوب الأحمر المشوي، ومن حيث سماكة الجدران التي تعزل داخل القصر عن الحرارة وعوامل الطقس في الخارج، مع توفر فتحات تهوية دائرية صغيرة مائلة تسمح بمرور تيارات الهواء التي تلطّف حرارة الجو وتنقي الهواء داخل القصر وتجدده.

يحيط بالقصر سورٌ مربع الشكل تم تشييده من الحجارة الجيرية المتوفرة في البيئة الصحراوية، ويبلغ طول ضلعه 150 مترًا، ويشتمل السور على قرابة 25 دعامة نصف دائرية هدفت إلى زيادة المتانة الخاصة بالسور والحفاظ على التماسك بين أجزائه وثباتها أمام طقس الصحراء القاسي.

أما المساحة الداخلية للقصر فتبلغ 22 ألف متر مربع. وتم تقسيم القصر إلى أجنحة ثلاثة، يضم الجناح الأوسط ثلاثة أقسام هما القسمان الشمالي والجنوبي اللذان يحتويان على الأبنية الرئيسية، والقسم الأوسط الذي جاء على شكل صحن مكشوف.

وصُمم الجناح الشمالي ليكون مقرًا للخليفة، أما الجناح الجنوبي فيحتوي على ممرات وغرف ومسجد، وفي نهايته مدخل مهيب تزين واجهته نقوش وزخارف بديعة الصنع منها ما يحاكي تلك الموجودة على قبة الصخرة المشرفة، وقد حُفرت تلك النقوش على الصخر الجيري، لكن هذه الواجهة تم نقلها إلى قسم الفنون الإسلامية في متحف بيرغامون بألمانيا، بعد أن قام السلطان العثماني عبد الحميد في عام 1903م بإهداء الواجهة المزخرفة إلى قيصر ألمانيا ويليام الثاني تقديرًا لجهوده في دعم إنشاء سكة الحديد الحجازي.

وتتخذ النقوش في واجهة السور شكلَ شريط متعرج وممتد حتى مسافة 47 مترًا، تحيط به قاعدة وحواف، وفي التشكيلات الهندسية المثلثة جهة اليمين نُقشت أشكالٌ لورود، أما أرضية الواجهة فنُقش عليها أغصان كرمة العنب التي تخرج من أصص وأحواض وتمتد وتتعربش في كل اتجاه، أما المثلثات وفي نصف الواجهة جهة اليسار فنُقشت عليها أشكال لحيوانات متنوعة، منها ما هو أسطوري كالغِرفين والتنين، واحتوت أيضًا على رسم مشخَّص لكائن خرافي نصفه الأسفل على شكل فرس. والمتأمل بالواجهة ككل يجد أن هذه المخلوقات بدت كأنما تعيش في جو من النعيم والسلام، وأغلبها تجلس بهدوء على ضفاف مياه الأحواض.

ويشتمل القصر على “قاعة العرش” التي تشكلت من بهو كبير ينتهي بصدَفة مثلثة، حيث أن تصميم القصر من الداخل يحاكي شكل الورقات الثلاث لنبات النَّفل، وكان يُفترض أن تغطيها قبة، ويتقدم القاعةَ رواقٌ ثلاثي مقنطر كبير يشبه بأقواس النصر الرومانية.

ورغم عدم اكتمال بنائه، ونقل واجهته المزخرفة، إلا أن “المشتى” ما زال مقصدًا لزائري قصور الصحراء الأردنية، بوصفه منبرًا فريدًا من حيث التشكيل الهندسي والحلول المعمارية التي وفرت داخل القصر أجواء من الهدوء والانتعاش الطبيعي الذي يحدّ من حرارة الصحراء، وكذلك بما يحمله من تاريخ يشهد على تعاقب أمم وحضارات توالت وبقي الحجر الشاهدَ الوحيدَ على مرورها.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*