مجموعة الصباح الآثارية من هواية خاصة إلى متحف متكامل يسرد التاريخ

الكويت – العمانية – فانا|

 على مدى 40 عاما وتحديدا منذ 23 فبراير 1983، بدأت مسيرة دار الآثار الإسلامية على يد الشيخ ناصر صباح الأحمد الصباح، رحمه الله، وحرمه الشيخة حصة صباح السالم الصباح بامتلاك مجموعة آثارية شكلت عناصر أفضل متاحف الكويت والعالم العارضة للتحف الإسلامية؛ حيث تشتمل على مجموعة متنوعة من فنون العالم الإسلامي تحت اسم: (مجموعة الصباح الآثارية).

كانت البداية باقتناء أول قطعة آثارية امتلكها الشيخ ناصر الصباح في عام 1975 والتي بلورت أول عناصر المجموعة، وهي عبارة عن إناء زجاجي مطلي بمادة المينا ويعود إلى منتصف القرن الـ 14 الميلادي، ليزداد بعدها شغفه ورغبته في جمع القطع الفنية التي تعود إلى فترات إسلامية مبكرة. ثم امتد الشغف لجمع قطع فنية تعود للعصور البرونزية والحديدية والبيزنطية والحضارة اليونانية والرومانية لاحقاً.

وشارك الشيخ ناصر هوايته مع محبي وجامعي الآثار وتحديداً صديقه جاسم الحميضي الذي كان يمتلك مجموعة فنية خاصة به، وبعد اقتناء العديد من التحف ونماء المجموعة الفنية (مجموعة الصباح الآثارية)، نُقِلت من منزله عام 1983 إلى متحف الكويت الوطني تزامناً مع افتتاح المتحف الجديد بطلب من الحكومة الكويتية، وبعد المفاضلة بين مجموعات فنية خاصة أخرى. وبالفعل تم استعارة القطع وعرضها في المتحف لرفع مستوى الوعي الفني والإرث الثقافي والآثاري والتاريخي، ومنذ ذلك الحين أصبح المبنى رقم 3 في المتحف الذي يحتوي على مجموعة الصباح يعرف بـ (دار الآثار الإسلامية).

وازداد شغف الشيخ ناصر في جمع التحف والبحث في الآثار التي تعود إلى العصور القديمة السابقة للفترة الانتقالية التي عقبت فجر الإسلام.

وأقبل على اقتناء عدد من القطع التي تعود لتلك الحقبة، كما اقتنى قطعاً فنية أثرية تعود لعصور ما قبل الإسلام وما قبل الميلاد ولعصور أخرى متنوعة.

وتضم (مجموعة الصباح الآثارية) في الوقت الحالي نحو 30 ألف قطعة فنية، جزء منها معروض في المعارض في المركز الأمريكاني الثقافي (المبنى التاريخي المطل على البحر)، فيما تحفظ بقية المقتنيات في مركز اليرموك الثقافي الذي يستضيف كذلك أنشطة الموسم الثقافي.

وتعمل دار الآثار الإسلامية من خلال هذين المركزين تحت مظلة المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وتقوم بالإشراف على الدار الشيخة حصة صباح السالم الصباح.

وتشمل المعروضات مجموعة فنية آثارية من خامات متعددة تتنوع ما بين السيراميك والزجاج والعاج والخشب والجواهر ومخطوطات ومشغولات وعملات معدنية وسجاد ومنسوجات وحجر وجص وغيرها.

وتضم مجموعة الصباح آثاراً متنوعة أُنتجت من السيراميك الذي يُعتبر من أقدم المواد المستخدمة في الصناعة، ويعود تاريخها إلى العصر الحجري القديم، ومن بين المجموعة (سلطانية) من الفخّار تزيّنها عناصر نباتية محوّرة تعود للقرن التاسع الميلادي.

كما تضم المجموعة زجاجيات يعود تاريخها إلى 4500 عام، ومعظمها أُنتجت في إيران وسوريا ومصر، منها (دورق) من الزجاج المنفوخ المزخرف بمقبض مختلف اللون أنتج في بلاد الشام في الفترة ما قبل الإسلام في القرن 6 – 7 الميلادي.

وتعرض مجموعة الصباح إبداع القدماء في صنع الأشياء من العاج والخشب، ومن بين المجموعة ضريح تذكاري صُنع في تركيا من الخشب نُقش عليه بخط الثلث كتابات منها آيات من سورة يونس، ويعود إلى القرن 14-15 الميلادي.

وتزخر مجموعة الصباح بقطع فريدة من الجواهر والأحجار الكريمة وأبرزها مجوهرات تعود إلى إقليمي الهند المغولية وهضبة الدكن في الهند في القرنين الـ16 والـ18 الميلاديين.

وعندما نتحدث عن العصور الإسلامية فلا بد أن يكون القرآن الكريم أبرز العناصر؛ حيث تضم مجموعة الصباح عدداً وفيراً من مخطوطات القرآن الكريم، ومنها صفحات لأحد أقدم المخطوطات القرآنية والتي تم نسخها في القرن الثاني بالخط (الحجازي).

كما تشمل مجموعة الصباح الآثارية نحو 2000 قطعة من المشغولات المعدنية، ومن بين تحف دار الآثار الإسلامية مرشة عطر برونزية تزيّنها صفوف من البراعم صُنعت في شرق بلاد فارس في القرن 9-10 الميلادي.

وتضم المجموعة أيضاً مقتنيات آثارية من العملات المعدنية تصل إلى أكثر من 12 ألف عملة تغطي رقعة شاسعة من العالم الإسلامي، وتنوعت على مدى 6000 عام وتعود أقدم عملة من المجموعة إلى العصر البرونزي.

وتكتمل زينة مجموعة الصباح الآثارية بقطع نادرة وفخمة من السجاد والمنسوجات والتي تعتبر قديماً من أبرز الهدايا التي تقدم لذوي الشأن، والتي تقدر بقيمة عالية لمالكها، وكان لمصر وإيران وتركيا والهند الدور الأبرز في إنتاج تلك القطع.

وتحتوي المجموعة على أكثر من 20 قطعة سجاد تعود إلى القرنين الـ2 و الـ4 الميلاديين إضافة إلى قطع تعود للعصور الإسلامية اللاحقة.

وللفن الإسلامي تاريخ طويل، حيث كان الحجر والجص من العناصر المهمة للفن المعماري الإسلامي، فقد تم استخدامهما للتزيين وللديكورات، وتحتوي المجموعة على قطع أثرية من الحجر والجص منها قارورة من البلور الصخري نُحتت عليها كتابات كوفية بارزة تعود للقرن العاشر الميلادي تقريباً.

ولم يكتف الشيخ ناصر وحرمه الشيخة حصة بعرض مجموعتهما الخاصة في الكويت فقط، بل شاركت المجموعة في متاحف ومعارض عديدة جالت العالم، كما تعاونت مع أعرق متاحف العالم والمؤسسات الثقافية خلال الـ40 عاماً الماضية ولا تزال تعمل بشغف لمد جسور التواصل بين الكويت والعالم.

وأمضت دار الآثار الإسلامية العقود الماضية من عمرها في خدمة الفن والثقافة؛ حيث توسعت من جمع التحف إلى القيام بمواسم ثقافية سنوية تتضمن أنشطة متنوعة من محاضرات وأمسيات موسيقية، إضافة إلى إقامة المعارض والورش الفنية والمؤتمرات، كما أشركت الأطفال في برامجها التربوية وخصصت برامج لتدريب وتأهيل الشباب المهتمين بالمتاحف والإرث الثقافي والفني.

وبهذا كان نهج دار الآثار الإسلامية نشر الوعي الحضاري والإنساني والتشجيع على التذوق الفني وحفظ وإظهار الوجه المشرق للكويت حول العالم.

ولم يقتصر نهج الدار على ذلك فقط بل إنها تصدر دوريات ونشرات وكتباً متعلقة بتاريخ الفنون وكل ما يخص الفن والثقافة والعمارة والفلسفة بمشاركة نخبة من الأكاديميين والخبراء والمتخصصين من جميع أرجاء العالم، وتضم مكتبة ثرية تحوي كتباً نادرة متعددة ومتنوعة.

ولم يتوقف اهتمام الدار عند هذا الحد فقد كانت ولا تزال تقدم دورات تدريبية متخصصة في ترميم الآثار فضلًا عن رعاية ودعهم الأبحاث في الكويت والشرق الأوسط، إلى جانب مشاركتها في المعارض العالمية في كل القارات لنشر رسالتها التنويرية والثقافية.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*